للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومثال استعمال (إنما) في ما من شأنه ألا يكون مجهولاً ولا منكراً، قولك لصاحبك وقد رأيتما شخصاً من قريب: (إنما المقبل محمد)؛ فمثل هذا الحكم من شأنه ألا يجهله المخاطب ولا ينكره لقرب الشخص من مرأى العين.

ومثال ما نزل فيه الحكم المجهول منزلة ما من شأنه أن يكون معلوماً قول الله تعالى - حكاية عن اليهود-: {إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ} [البقرة: ١١]، فقد أدى اليهود أن كونهم مصلحين أمر ظاهر من شأنه ألا يجهل ولا ينكر، ولهذا عبروا فيه "إنما" تنزيلاً للمجهول - وهو كونهم مصلحين- منزلة ما شأنه أن يكون معلوماً، لا يجهله المخاطب ولا ينكره.

ونكتة هذا التنزيل: الإشعار بأن ما يدعونه من أنهم مصلحون أمر وضح جلي لا يجمل إنكاره، ولهذا جاء رد الله الله عليهم أبلغ رد، وذلك بقوله تعالى: {أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ} [البقرة: ١٢].

فقد أكد هذا الرد بتأكيدات مختلفة وهي:

١ - إفراد الجملة الاسمية الدالة على الثبوت.

٢ - تأكيدها "بأن" المشددة.

٣ - تعريف الخبر الدال على حصر المسند إليه.

٤ - توسيط ضمير الفصل المؤكد لهذا الحصر.

٥ - تصدير القول بحرف التنبيه؛ الدال على أن مضمون الكلام مما له خطر يستوجب العناية والاهتمام.

٦ - تعقيبه بما يدل على التقريع والتوبيخ، وهو قوله تعالى: {وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ} [البقرة: ١٢]، إذ معناه: أنهم في عداد الموتى، لا شعور لهم.

والطريق الثالث: وهو: (إنما) يعقل منه حكما الإثبات والنفي دفعة واحدة، ويفهمان نصاً دون الاعتماد على شيء آخر، فإذا قلت: (إنما طارق شجاع) فقد أثبت له صفة الشجاعة، ونفيت عنه ما عداه من الصفات في القصر الحقيقي - أو نفيت عنه صفة الجبن في القصر الإضافي، وهذان الحكمان قد فهما من العبارة السابقة دفعة واحدة ودلت عليهما نصاً دون الاعتماد على شيء آخر.

<<  <   >  >>