قولنا:"على المنبر أسد" موضوع لفردين، متعارف، وهو الحيوان المفترس، وغير متعارف، وهو الرجل الجريء، ولكن الكذب لا تأويل فيه، لأن الكاذب يتعمد الكذب، ومن يتعمد الكذب لا يتأول في كلامه.
الثانية: أن الاستعارة فيها قرينة مانعة من إرادة المعنى الظاهر من اللفظ، أما الكذب فلا قرينة فيه تمنع من إرادة المعنى الظاهر من اللفظ، بل إن الكاذب ليبذل قصارى جهده في ترويج ظاهره وإظهار صحة ما يقول.
هذا وينبغي أن تكون على ذكر من أن المشبه بع- في الاستعارة- وهو المستعار منه- يجب أن يكون أمرًا كليًا آخر، حتى يكون له أفراد تستطيع أن تدعى دخول المشبه في جنسها، ولهذا فإنه لا تصح الاستعارة في علم الشخص؛ لأن معناه جزئي، لتشخصيه وتعينه في الخارج، لأن تصوره يمنع وقوع الاشتراك فيه، فلفظ:"محمد"- مثلًا لا يصح جعله استعارة لشخص آخر بينه وبين محمد مشابهة في شيء، لأن الاستعارة تقتضي ادعاء دخول المشبه في جنس المشبه به باعتباره أحد أفراده- كما أسلفنا- وهذا يقتضي عموم المشبه به، و"محمد" المذكور لا عموم فيه، لأنه لا يحتمل غير معناه الذي وضع له، ولكنه إذا عرف بوصف واشتهر به "كحاتم"- مثلًا- إذ هو علم على الطائي المشهور بالجود، فقد ذاع صيته حتى صار إذا أطلق لفظ "حاتم" فهم منه معنى "الجود"؛ إذا عرف علم الشخص بوصف واشتهر به حتى صار أمرًا كليًا كحاتم صحت الاستعارة فيه ومثل حاتم "مادر" الذي اشتهر بالبخل، و"قس" الذي اشتهر بالفصاحة، و"باقل" الذي اشتهر بالعي.
[قرينة الاستعارة]
القرينة- كما عرفت- هي: الأمر الذي يجعله المتكلم دليلًا على أنه أراد باللفظ غير معناه الحقيقي، وهي نوعان: لفظية، وغير لفظية.
فاللفظية: هي لفظ يلائم المشبه به، يذكر في الكلام ليصرفه عن إرادة معناه الأصلي، مثال ذلك قولك:"سلمت على بحر" تريد: عالمًا جليلًا، فلفظ "بحر"