للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والقسم الثالث: الغلو: وهو: (أن يدعي لوصف بلوغه في الشدة أو الضعف حدًا مستحيلًا عقلًا وعادةً) ومثاله قول أبي نواس:

وأخفت أهل الشرك حتى إنه ... لتخافك النطف التي لم تخلق!

فقد ادعى أبو نواس أن ممدوحه قد أخاف أهل الشرك قاطبة حتى إنه قد أخاف من لم يخلق منهم؛ وهذا وصف مستحيل عقلًا وعادة، ولهذا فإنه غير مقبول.

[وإنما يقبل الغلو في حالات ثلاث]

الأولى: أن يدخل عليه ما يقربه إلى الصحة نحو لفظ (يكاد)، كما في قول الله تعالى: {يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ} [النور: ٣٥] فإضاءة الزيت من غير أن تمسه النار أمر مستحيل عقلًا وعادة؛ ولكن الذي قربه من الإمكان لفظة (يكاد) ومن هنا كان الغلو في الآية الكريمة مقبولًا.

وكقول ابن حمديس الصقلي، يصف فرسًا:

ويكاد يخرج سرعة من ظله ... لو كان يرغب في فراق رفيق

فخروج الفرس عن ظله من شدة السرعة وصف مستحيل عقلًا وعادة؛ ولكن الذي قربه إلى الصحة هو قوله (يكاد) ولهذا كان الغلو هنا مقبولًا.

ومما يقرب الغلو إلى الصحة: لفظ (لو) و (لولا) وحرف التشبيه و (يخيل) وما أشبهها.

والثانية: أن يتضمن الغلو نوعًا حسنًا من التخييل، كما في قول أبي الطيب المتنبي:

أقبلت تبسم والجياد عوابس ... يخببن بالحلق المضاعف والقنا

عقدت سنابكها عليها عثيرًا ... لو تبتغي عتقا عليه لأمكنا!

يقول: إنك أقبلت وجيادك عوابس لكثرة ما عليها من حديد الدروع والقنا وقد بلغت سرعتها أن سنابكها أثارت غبارًا انعقد فوقها وأصبح كالأرض؛ حتى إنها لو

<<  <   >  >>