أصبح مثلا يضرب لمن طلب شيئاً يعد أن فرط فيه وضيعه، ففاتت فرصته.
وأصل هذا المثل: أن امرأة شابة تدعى "دسوس" بنت لقيط بن زرارة، كانت تحت شيخ يدعى "عمرو بن عويس" وكان طاعناً في السن ذا ثروة، فزهدت فيه وكرهت معاشرته لضعفه وكبره، ورجته أن يتركها قلبي طلبها، وكان ذلك زمن الصيف، ثم تزوجت من بعده من شاب فقير يدعى:"عمرو بن معبد بن زرارة" ثم احتاجت إلى اللبن زمن الشتاء، فجاءت إلى زوجها الأول تطلب منه لبناً، فلم يحبها إلى طلبها، وقال لها:"الصيف ضيعت اللبن" فذهبت مثلاً.
فإذا ما أردنا إجراء الاستعارة فيه قلنا: شبهت هيئة من فرط في شيء في وقت إمكان تحصيله ثم طلبه في وقت يتعذر الحصول عليه فيه، بهيئة امرأة تركت زوجها صاحب اللبن الوفير، ثم أتت إليه بعد فراقها له تطلب منه اللبن، والجامع: هو الهيئة الحاصلة من التفريط في الشيء في وقت إمكانية، ثم طلبه وقت تعذره ثم استعير اللفظ المركب الموضوع للمشبه به للمشبه على سبيل الاستعارة التمثيلية.
(ب) وأما المجاز المركب المرسل: فهو اللفظ المركب المستعمل في غير ما وضع له لعلاقة غير المشابهة، مع قرينة مانعة من إرادة المعنى الأصلي.
ومثال ذلك: الجملة الخبرية المستعملة في الإنشاء لأغراض لم يوضع لها الخبر، وذلك كإظهار التحسر، أو الضعف، أو السرور، أو الشماتة أو نحو ذلك.
فمثال استعمال الخبر في الإنشاء لغرض التحسر قول الشاعر، متحسراً على ذهاب شبابه:
ذهب الصبا وتولت الأيام ... فعلى الصبا وعلى الزمان سلام!
فقد استعمل الخبر في إنشاء التحسر والتحزين على فوات الشباب وذهاب أيامه العذاب، والعلاقة فيه هي اللزوم، إذ يلزم من الإخبار بذهاب الصبا وتولى أيامه الباسمة التحسر والأسى على فواته، بقرينة قوله:"فعلى الصبا وعلى الزمان سلام".
ومنه قول محمود غنيم، يتحسر على ذهاب شبابه:
مشيت على الأرض الهوني كأنما ... أبي لي وقاري أن يراني عادياً