فهو يقول: إن كان سيف الدولة لغير دولتهم فهو ولي نعمتهم، لأن جلودهم نبتت من إنعامه واكتست من خلعه عليهم، فقد نشئوا وتربوا في نعمته وإحسانه كالنبت لأنه يأتلف وينبت بالسحاب، والشاهد هنا: استعارته النبات لمن أحسن إليهم سيف الدولة، وكلاهما حسي، ولكن الجامع هنا عقلي، وهو: احتياج كل منهما إلى ما ينميه ويقويه.
الثالث: ما استعير فيه محسوس لمحسوس، والجامع مختلف، بأن يكون بعضه حياً، وبعضه عقلياً، كما في قولك "رأيت بدراً يتحدث" وأنت تريد إنساناً كالبدر في حسن الطلعة، ونباهة الشأن، فالأول: حسي، والثاني: عقلي - كما ترى -.
الرابع: ما استعير فيه معقول لمعقول، كما في قوله تعالى - حكاية عن قول الكفار يوم القيامة:(يَا ويْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا هَذَا)[يس: ٥٢]؟ فالمستعار منه هو "الرقاد" أي النوم على اعتبار أن المرقد مصدر ميمي، والمستعار له "الموت" وكلاهما: "عقلي"، والجامع بينهما: عدم ظهور الأفعال الاختيارية - وهو عقلي كذلك-. ...
الخامس: ما استعير فيه محسوس لمعقول، كما في قوله تعالى:(فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وأَعْرِضْ عَنِ المُشْرِكِينَ)[الحجر: ٩٤] أي: بلغ الأمة الأحكام التي أمرت بتبليغها لهم تبليغاً واضحاً لا لبس فيه ولا غموض، فالمستعار منه كسر الزجاجة ونحوهما مما لا يلتئم بعد الكسر، وهو حسي، والمستعار له: تبليغ الرسالة للمرسل إليهم وهو أمر عقلي، والجامع بينهما: هو: التأثير في الشيء، بحيث لا يعود إلى ما كان عليه وهو: أمر عقلي، والمعنى: أبن الأمر إبانة لا يعود معها إلى الخفاء، كما أن كسر الزجاجة لا تعود معه إلى الالتئام.
السادس: ما استعير فيه معقول لمحسوس، كما في قوله تعالى (إنَّا لَمَّا طَغَا المَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الجَارِيَةِ)[الحاقة: ١١] أي: لما كثر الماء، فالمستعار منه هو: التكبر والتعالي - وهو عقلي - والمستعار له: كثرة الماء - وهو حسي - والجامع بينهما: هو الخروج عن حد الاعتدال - وهو عقلي -.