للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

شبه أنامل الممدوح بالسحائب في عموم النفع، ثم استعار لفظ "السحائب" لأنامل يده، وجعل القرينة عن الاستعارة مجموع أشياء، فذكر أن هناك "صاعقة" وأنها ساقطة من حد سيفه، وأنها منقلبة على أرؤس الأقران، وأنها خمس بمقدار أصابع اليد، فدل ذلك على أنه أراد من "السحائب" أنامل الممدوح، لما بينها وبين السحائب من عموم النفع والعطاء.

تقسيم الاستعارة

باعتبار الطرفين والجامع

تنقسم الاستعارة بهذا الاعتبار إلى ستة أقسام التالية:

الأول: ما استعير فيه محسوس لمحسوس، والجامع حسي، كما في قول الله تعالى {وتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ} [الكهف: ٩٩] فالمستعار منه هو: حركة الماء على الوجه المخصوص، والمستعار هو الحركة والاختلاط الناشئان عن الحيرة والارتباك، والجامع بينهما: ما يشاهد في كل من الحركة الشديدة والاضطراب، والجميع حسي، ومنه قول أبي الطيب المتنبئ:

رميتهم ببحر من حديد ... له في البر خلفهم عباب

فقد جعل جيشه بحراً من حديد، لكثرة لابسي الحديد فيه، وجعلهم يموجون خلفهم في سيرهم كموج البحر، وهو عبابه، فالمستعار منه أولاً في البيت هو: بحر من الحديد، والمستعار له: الجنود وهم لابسو الحديد، والجامع هو: ما يشاهد في كل من الحركة والاضطراب، وجميع ذلك حسي، ثم استعار ثانياً: العباب -وهو الموج -الحركة الجيش بجامع ما يوجد في كل من الحركة ولاضطراب، وكل ذلك حسي -أيضاً.

الثاني: ما استعير فيه محسوس لمحسوس، والجامع عقلي، كما في قوله تعالى {وآيَةٌ لَّهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإذَا هُم مُّظْلِمُونَ} [يس: ٣٧] فالمستعار منه: كشط الجلد وسلخه من الشاة ونحوها، والمستعار له: إزالة ضوء النهار وانتزاعه من مكان الليل، وكلاهما حي، والجامع بينهما عقلي وهو: ترتب أمر على آخر في كل منهما، ففي المستعار: ترتب ظهور اللحم على كشط الجلد وسلخه، وفي المستعار له: ترتب ظهور ظلمة الليل على محو ضوء النهار وإزالته، ومنه قول أبي الطيب المتنبئ:

<<  <   >  >>