للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومثلوا للثاني بكلمة (مستشزرات) من قول امرئ القيس:

تصد وتبدى عن أسيل وتنقى ... بناظرة من وحش وجرة مطفل

وجيد كجيد الرئم ليس بفاحش ... إذا هي نصته وليس بمعطل

وفرع يزين المتن أسود فاحم ... أثيت كقنو النخلة المتعثكل

غدائره مستشزرات إلى العلا ... تضل المدارى في مثنى ومرسل

أي: إن غدائر شعرها - أي ذوائبه- مستشزرات، يعني مرتفعات، وإن أمشاط شعرها تغيب بين الشعر المفتول والشعر المسترسل.

والحق أن وصف الكلمة بالثقل ليس راجعاً إلى بعد مخارج حروفها، أو قربها، بل إن ذلك يرجع إلى الذوق السليم، لأننا نجد من القريب المخرج ما هو غير متنافر كما في (الجيش) و (الشجى) وكما في القرآن الكريم: {أَلَمْ أَعْهَدْ} [يس: ٦٠]، كما أننا نجد من البعيد المخرج ما هو غير متنافر - أيضاً - كما في (بعد) وكما في (علم) و (أو) و (ألم)، فكل ذلك حسن لا تنافر فيه.

٢ - وأما الغرابة: فهي أن تكون الكلمة وحشية غير ظاهرة المعنى ولا مأنوسة الاستعمال.

والغريب الذين ينفرون منه، ويخل بفصاحة الكلمة، ويحذرون من الوقوع فيه هو: ما يحتاج في معرفته إلى أن ينقر ويبحث عنه في كتب اللغة المبسوطة مثل كلمة: (الطرموق) بدل الطين، (والاستمصال) بدل (الإسهال) والاطرغشاش (والإبرغشاش) بدل الشفاء.

أما غريب القرآن وغريب الحديث، فقد كان دواراً عند العرب الخلص ولكن تقادم العهد به، وذلك مثل كلمة "ضيزى" في قوله تعالى: {تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزَى} [النجم: ٢٢]، وكما في أحاديث النبي - صلى الله عليه وسلم - التي كان يخاطب بها الأقوام البادين، لأن هذه الألفاظ لم تكن وحشية نافرة لديهم، بل كانت دوارة على ألسنتهم.

وعلى أية حال: فإنهم يحبذون من الكلمات "ما ارتفع عن الساقط السوقي، وانحط عن البدوي الوحشي".

<<  <   >  >>