للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[والتورية ضربان]

(١) ضرب يتحكم حتى يصير اعتقادًا، فلا يدرك عدم إدراك المعنى القريب إلا بتأمل وطول نظر، كما في قول الشاعر:

حملناهم طرًا على الدهم بعدما ... خلعنا عليهم بالطعان ملابسًا

والتورية هنا في قوله: (الدهم) ومعناه القريب: الفرس الأسود. ومعناها البعيد: القيد من الحديد، وهو المراد بقرينة ما ذكره من خلع الدماء عليهم بالطعان حتى صارت لهم كالملابس؛ إذ لا يصح بعد هذا أن يكون المراد حملهم على الأفراس.

(٢) والضرب الثاني لا يبلغ ذلك المبلغ؛ ولكنه شيء يجرى في الخاطر وأنت تعرف حاله فلا يحتاج عدم إرادة المعنى القريب فيه إلى تأمل وطول نظر، وذلك كما في قول عبد الله بن العباس بن الفضل بن الربيع:

لولا النظير بالخلاف وأنهم ... قالوا: مريض لا يزور مريضًا

لقضيت نحبي في فنائك خدمة ... لأكون مندوبًا قضى مفروضًا

والخلاف هو: مخالفة العرف والعادة؛ والنحب هو: الأجل، والمندوب اسم مفعول من الندب، والتورية هنا في قوله: (مندوبًا) لأن هذا اللفظ له معنيان: قريب، وهو (المسنون) من السنة، وليس مرادًا؛ وبعيد وهو (المرثي) وهو المراد هنا؛ لأن المعنى: لأكون ميتًا مرئيًا قضى مفروضًا عليه وهو الموت حزنًا على ذلك المريض.

والشاهد هنا في أن عدم إرادة المعنى القريب واضح لا يحتاج إلى تأمل.

* * *

<<  <   >  >>