فالحال: هي الأمر الداعي للمتكلم إلى أن يعتبر مع الكلام الذي يؤدي به أصل المعنى خصوصية ما، ومطابقة الكلام له بمعنى: اشتماله عليه، فإذا كان المخاطب ينكر قيام (زيد) - مثلاً - فإنكاره حال يدعو المتكلم إلى أن يخبره بقيامه مؤكداً، فيقول:(إن زيداً قائم) وتأكيد الخبر هو: مقتضى الحال. ومقتضى الحال مختلف؛ لأن مقامات الكلام متفاوتة؛ فمقام التنكير يغاير مقام التعريف، ومقام الإطلاق يغاير مقام التقييد، ومقام التقديم يغاير مقام التأخير، ومقام الذكر يغاير مقام الحذف، ومقام القصر يغاير مقام خلاف، ومقام الفصل يغاير مقام الوصل، ومقام الإيجاز يغاير مقام الإطناب والمساواة؛ وكذلك خطاب الذكي يغاير خطاب الغبي، وكذلك لكل كلمة مع صاحبتها مقام.
[الفرق بين الحال والمقام]
الحال والمقام متقارباً المفهوم، والتغاير بينهما أمر اعتباري، وذلك لأن الأمر الداعي "مقام" باعتبار توهم كونه محلاً لورود الكلام فيه على خصوصية ما، و"حال"، وباعتبار كونه زماناً له.
وهناك فرق آخر: وهو: أن المقام تعتبر إضافته للمقتضى - بالفتح-، فيقال: مقام التأكيد والإطلاق، والحذف، والإثبات، كما تعتبر إضافة الحال للمقتضى - بالكسر، فيقال: حال الإنكار وحال خلو الذهن، وغير ذلك.
وعلى هذا: فإذا تفاوتت المقامات اختلفت مقتضيات الأحوال، لأن الاعتبار اللائق بهذا المقام غير الاعتبار اللائق بذلك، واختلافها هو عين اختلاف مقتضيات الأحوال.
وارتفاع شأن الكلام - في الحسن والقبول- يكون بمطابقته للاعتبار المناسب، وانحطاطه يكون لعدم مطابقته لهذا الاعتبار.
والمراد بالاعتبار المناسب: الأمر الذي اعتبره المتكلم مناسباً بحسب السليقة، أو بحسب تتبع تراكيب البلغاء، فمقتضى الحال هو الاعتبار المناسب للحال والمقام؛ كالتأكيد، والإطلاق وغيرهما.
ومطابقة الكلام لمقتضى الحال هو الذي يسميه عبد القاهر الجرجاني:(النظم) وهي: تتبع معاني النحو فيما بين الكلم على حسب الأغراض التي يصاغ لها الكلام.