للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٤ - ادعاء كمال ظهور المسند إليه حتى كأن المعقول - في رأي المتكلم- مما يحس بحاسة البصر كأن تحاور إنساناً في مسألة ينكرها: هذه مسألة ظاهرة، وكان مقتضى الظاهر أن تقول: وهي مسألة ظاهرة، لكنك عبرت باسم الإشارة ادعاءً لكمال ظهور المسند إليه عندك حتى كأنه مما يحس بحاسة البصر.

[وإن كان المسند إليه غير اسم الإشارة، فلأغراض بلاغية منها]

أ- أن يقصد تمكين المسند إليه في ذهن السامع، لأن المقام يقتضي اعتناء بشأنه: ومن الاعتناء بشأنه أنه لا ينوب عنه ضمير، لأن الضمير - وإن جاز أن ينوب عنه- لا يغني غناء الاسم الظاهر، لما يتضمنه الاسم من معنى له وقع عند المتلقي أو المتذوق في رأي الشاعر أو الأديب، ففي إظهار الاسم مكان إضماره بيان لعظم أمر ما، شرفاً أو خسة، جودة أو رداءة.

والشاهد على ذلك قول الله تعالى: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (١) اللَّهُ الصَّمَدُ} [الإخلاص: ١، ٢]؛ لم يقل: "هو الصمد" - وإن كان ظاهر الحال يقتضي الإضمار، لتقدم المرجع- ولكنه قال: "الله الصمد" فوضع المظهر موضع المضمر، لأن المقام يقتضي الاعتناء بتمكين لفظ الجلالة من النفوس، وعلى هذا الأسلوب جرئ القرآن الكريم في مواضع كثيرة منه، حيث تريد تربية المهابة في نفوس المؤمنين.

وأما ما جاء منه للذم فنحو قول الله تعالى: {مَنْ كَانَ عَدُوّاً لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ} [البقرة: ٩٨]، قال الله تعالى: {فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ} [البقرة: ٩٨] ولم يقل (عدو لهم).

وقد سبق ذكرهم في "من" المبهم، واسم كان المضمر فيها ذماً لهم بالكفر، تبييناً أن عدو الله وملائكته ورسله لا يكون إلا كافراً.

ومن الإظهار في مقام الإضمار قول الفندي الزماني - في حرب البسوس- وكان بنو بكر بن وائل قد يعثوا إلى بني حنيفة يستصرخونهم، فأمدوهم به وبقومه:

صفحنا عن بني ذهل ... وقلنا: القوم إخوان

عسى الأيام أن يرجعـ ... ـن قوماً كالذي كانوا

فلما صرح الشر ... وأمسى وهو عريان

<<  <   >  >>