للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فبالغ في وصف الحبر بالسواد حين شبهه بالليل.

على أنه قد يكون المشبه أتم من المشبه به في وجه الشبه، كما في قوله تعالى: (اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ) [النور: ٣٥].

ومن ذلك ما ورد من أن أبا تمام قال في أحمد بن المعتصم:

إقدام عمرو في سماحة حاتم ... ... في حلم أحنف في ذكاء إياس

فأخذ عليه أن الأمير أكبر من أن يشبه في ذلك بالثلاثة، فقال:

لا تنكروا ضربي له من دونه ... مثلًا شرودًا في الندى وإلباس

فالله قد ضرب الأقل لنوره ... ... مثلًا من المشكاة والنبراس

٥ - وإما أن يكون الغرض هو: تزيين المشبه في عين السامع، وذلك كما في تشبيه وجه أسود بمقلة الظبى، وكما في قول الشاعر:

سوداء واضحة الجبين ... ... كمقلة الظبى الغرير

فالوجه الأسود لا يستحسن في مرأى العين، ولكن يرغب السامع فيه فقد شبهه الشاعر بمقلة الظبي في حسن سوادها واستدارته تزيينًا له.

ومنه قول الشاعر:

تفارق شيب في الشاب لوامع ... ... وما حسن ليل ليس فيه نجوم؟ !

فقد شبه الشاعر هيئة ظهور بياض الشيب لامعًا بين سواد الشباب بهيئة ظهور نجوم تتلألأ في دجى الليل، ووجه الشبه هو هيئة اختلاط شيء ناصع البياض بآخر حالك السواد، وبذلك فإنه قد حسن ما أجمع الناس على قبحه بإيراده في صورة نجوم تتألق في دجى الليل.

٦ - وإما أن يكون الغرض هو: تقبيح المشبه في عين السامع، كما في تشبيه وجه مجدور بسلحة جامدة قد نقرتها الديكة، وكما في قول الشاعر:

وإذا أشار محدثًا فكأنه ... ... قرد يقهقه أو عجوز تلطم

فقد شبه الشاعر هيئة إنسان مكروه وهو يشير محدثًا بهيئة قرد يقهقه أو عجوز تلطم خديها بشاعة المنظر وقبحه تقبيحًا له في نظر المخاطب.

<<  <   >  >>