ولما تضمن سابق الكلام هذا الإيحاء بالخبر، صار المقام مقام أن يتردد المخاطب في أنهم صاروا محكوماً عليهم بالإغراق أم لا؟ ويطلبه، فنزل منزلة السائل، وقيل:"إنهم مغرقون" مؤكداً، أي محكوم عليهم بالإغراق.
ويكثر هذا الأسلوب في القرآن الكريم، حتى إنه - كما يقول الإمام عبد القاهر- لا يدركه الإحصار، يأتي بعد الأوامر والنواهي كقوله تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ}[الحج: ١] وكقوله تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}[الزمر: ٥٣].
ومنه قول الشاعر:
فغنها - وهي لك الفداء ... إن غناء الإبل الحداء
لما طلب الشاعر من مخاطبه الغناء للإبل، تطلعت نفسه إلى معرفة سبب هذا الطلب، فكأنه سأل: وهل غناء الإبل هو الحداء؟ فجاء الخبر مؤكداً بإن لإزالة تردد مقدر من المخاطب.
(ب) وكأن ينزل المنكر منزلة غير المنكر، وذلك إذا كان معه من الأدلة والشواهد ما إن تأمله ارتدع عن إنكاره، وذلك كما تقول لمنكر الإسلام:(الإسلام حق) هكذا من غير تأكيد، لأن لديه من الأدلة الدالة على نبوة محمد- صلى الله عليه وسلم - ما إن تأمله لارتدع عن إنكاره، وهذا شأن الحقائق الكبرى، والقضايا العظيمة التي تلقى دون احتفال بإنكار المنكرين، أو اهتمام تكذيب المكذبين.
ومنه قول الله تعالى:{يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ}[الجمعة: ١] فهذا خبر عظيم ينكره الكافرون الجاحدون، ولكن القرآن الكريم لم يعبأ بإنكارهم، وساق تلك الحقيقة الكبرى مساق الأمور المسلم بها، والتي لا تحتاج إلى تأكيد.
ومن هذا الأسلوب في الشعر قول أمير الشعراء يرثى جدته: