للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[التورية]

التورية هي: (أن يطلق لفظ له معنيان: قريب وبعيد، ويراد به البعيد منهما). وهي نوعان: مجردة، ومرشحة.

أما المجردة: فهي التي لا تجامع شيئًا مما يلائم المورى به، كما في قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: ٥] فالتورية هنا في قوله: {استوى} وله معنيان: قريب وهو: استقر، وليس مرادًا، وبعيد؛ وهو: استولى؛ وهو المراد؛ بدلالة استحالة الاستقرار الحسي على الله تعالى؛ وهذه الاستحالة هي القرينة التي صرفت اللفظ عن المعنى القريب إلى المعنى البعيد.

والتورية هنا: مجردة؛ لأنها لم تقترن بما يلائم المعنى القريب؛ وقيل: إن التورية هنا مرشحة؛ لأن قوله تعالى: {على العرش

يلائم المعنى القريب.

وأما المرشحة: فهي التي قرن بها ما يلائم المعنى المورى به؛ أي المعنى القريب والترشيح إما أن يكون قبل التورية؛ وإما أن يكون بعدها.

فمثال ما كان الترشيح فيها قبلها قول الله تعالى: {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ} [الذاريات: ٤٧] فالتورية هنا في قوله تعالى: {بأيد}؛ لأن اللفظ هنا له معنيان: قريب وهو جمع يد، وهي الجارحة ولكنه ليس مرادًا؛ لاستحالة ذلك على الله تعالى، وبعيد وهو القوة وهو المراد، والاستحالة قرينة صارفة للفظ عن المعنى القريب إلى المعنى البعيد.

أما الترشيح هنا فقد جاء قبل التورية، وهو قوله تعالى: {بنيناها}، ومنه قول يحيى بن منصور الحنفي:

فلما نأت عنا العشيرة كلها ... أنخنا فحالقنا السيوف على الدهر

فما اسلمتنا عند يوم كريهة ... ولا نحن أعضبنا الجفون على وتر

قوله: أنخنا كناية عن إقامتهم بدراهم واكتفائهم بأنفسهم، والكريهة هي: الحرب، والوتر: هو: الثأر.

<<  <   >  >>