بالإحسان؟ إذا كان السؤال عن السبب الخاص، وقد أعيد المستأنف له الحديث باسمه -كما رأيت- وقد تأتي بوصفه الصالح لترتيب الحكم عليه، كأن يقال في المثال السابق:(أحسنت إلى محمد، صديقك القديم أهل للإحسان) والسؤال المقدر فيه كسابقه، وقد أعيد هنا ما استؤنف عنه الحديث بوصف صداقته القديمة، وهو سبب صالح لأحقية الإحسان، وهذا القسم من الاستئناف -وهو ما أعيد فيه المستأنف عنه الحديث بوصفه- أبلغ من القسم الأول، وذلك لانطوائه على بيان السبب الموجب للحكم، كالصداقة القديمة في المثال السابق فهو من قبيل إثبات الحكم بدليل.
[الحذف في الاستئناف]
وللحذف في الاستئناف حالتان:
الأولى: أن يحذف صدر الجملة المستأنفة، سواء أكان المحذوف فعلاً، نحو قوله تعال: {يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ (٣٦) رِجَالٌ} [النور: ٣٦، ٣٧]-في قراءة:{يُسَبِّحُ} مبنية للمجهول، كأنه قيل: من يسبحه؟ فقيل:{رِجَالٌ}، أي: يسبحه رجال. أم كان المحذوف اسمًا نحو قولك:(نعم الرجل زيد) على اعتبار جعل زيد خبرًا لمبتدأ محذوف، أي: هو زيد، كأنه قيل: من الرجل المخصوص بالمدح؟ فقيل: هو زيد.
الثانية: أن تحذف الجملة المستأنفة كلها، والاستئناف في هذه الحال على نوعين:
أحدهما: أن يقوم مقامه شيء يدل عليه، كقول الحماسي:
زعمتم أن إخوتكم قريش ... لهم إلف وليس لكم إلاف
أي: لهم إيلاف في رحلتيهما للتجارة، رحلة الشتاء إلى اليمن، ورحلة الصيف إلى الشام، وليس لكم شيء من ذلك، كأنه قيل: أصدقنا في هذا الزعم، أم كذبنا؟ فقيل:(كذبتم) فحذفت الجملة المستأنفة كلها وأقيم مقامها: (لهم إلف وليس لكم إلاف) لدلالة هذا الكلام عليها.