ومن يولد يعش ويمت كأن لم ... يمر خياله بالكائنات!
ومهد المرء في أيدي الرواقي ... كنعش المرء بين النائحات
وما سلم الوليد من اشتكاء ... فهل يخلو المعمر من أذاة؟ !
هي الدنيا: قتال نحن فيه ... مقاصد للحسام وللقناة
وكل الناس مدفوع إليه ... كما دفع الجبان إلى الثبات
تروع ما نروع ثم ترمى ... بسهم من يد المقدور آت! !
فقد سرد أمير الشعراء قضايا عدة دون تأكيدها، على الرغم من أنها ليست مسلماً بها من جميع الناس، ولكن لما كانت أدلة صحتها كثيرة لو تأملها الجميع لآمنوا بها ساقها مساق الأمور المسلمة التي لا اعتراض لأحد عليها.
(جـ) قد ينزل غير المنكر منزلة المنكر، وذلك إذا ظهر عليه شيء من علامات الإنكار، فيلقى إليه الكلام مؤكداً. وإن لم يكن في ظاهر حاله منكراً.
فالمسلم المهمل في أداء الصلاة تقول له: (إن الصلاة واجبة) تنزيلاً له منزلة المنكر، وإن لم يكن منكراً لفرضية الصلاة، لأن إهماله في أداء الصلاة أمارة من أمارات الإنكار.
ومن هذا القبيل قوله الله تعالى: {وَأَنَّ السَّاعَةَ آَتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ} [الحج: ٧]. فإتيان الساعة حقيقة لا ينكرها المسلمون، ولكن تصرف المسلمين حيال هذه الحقيقة تصرف من لا يؤمن بها، ولهذا خوطبوا خطاب المنكرين لقيام الساعة.
ومما هو أصل في هذا الباب قول حجلة بن نضلة الباهلي:
جاء شقيق عارضاً رمحه ... إن بني عمك فيهم رماح
فقد رأى الشاعر شقيقاً مقبلاً غير مكترث بقومه، إذ جاء عارضاً رمحه، أي واضعاً له بالعرض على فخذه غير متهيئ لقتال، كأنه ينكر أن يكون فيهم من يستطيع لقاءه، فنزل منزلة من ينكر أن في بني عمه رماحاً، وإن لم يكن منكراً في الحقيقة، فقال: (إن بني عمك فيهم رماح).