تجاوز الحد في كل منهما، ثم استعير الطغيان للكثرة، واشتق منه (طغى) بمعنى كثر حتى جاوز الحد استعارة تبعية.
والقرينة هي: استحالة صدور الطغيان من الماء، لأن الطغيان إنما يكون من الإنسان.
واللفظية إما أن تكون لفظاً واحداً- كما سبق في قولك "كلمني بحر"- وإما أن تكون لفظين كما في قول الشاعر:
فإن تعافوا العدل والإيمان ... فإن في إيماننا نيراناً
فقد استعار لفظ "النيران" للسيوف، والقرينة على أن المراد بالنيران السيوف هي كل من:"العدل"، و"الإيمان"، لأن الذي يدعو إلى العدل والإيمان يأخذ بالشريعة التي تحمل المخالف على الطاعة بحد السيف.
وإما أن تكون أكثر من لفظين، كما في قول البحتري:
وصاعقة من نصله تنكفي بها ... على أرؤس الأقران خمس سحائب
فقد شبه أنامل الممدوح "بالسحائب" في عموم العطايا، ثم استعار لفظ "السحائب" لأنامل يده، وجعل القرينة على هذه الاستعارة:"صاعقة" و"نصله" و"أرؤس الأقران" و"خمس" وهي عدد أصابع اليد، فدل ذلك على أنه أراد بالسحائب أصابع اليد لما بينها وبين السحاب من جامع النفع وعموم العطاء.
[الفرق بين الاستعارة والكذب]
يفرق بين الاستعارة والكذب من ناحيتين:
الأولى: أن الاستعارة مبنية على التأويل، بمعنى أننا نعي دخول المشبه في جنس المشبه به ونجعله أحد أفراده مبالغة، فنقدر أن الأسد- مثلاً- في مثل قولنا:"على المنبر أسد" موضوع لفردين" متعارف، وهو الحيوان المفترس، وغير متعارف، وهو الرجل الجريء، ولكن الكاذب لا يتأول في كلامه، لأن يتعمد الكذب.
الثانية: أن الاستعارة فيها قرينة مانعة من إرادة المعنى الظاهر من اللفظ، أما الكذب فلا قرينة فيه تمنع من إرادة المعنى الظاهر من اللفظ، بل إن الكاذب ليبذل قصارى جهده في ترويج ظاهره، وإظهار صحة ما يقول.