وقول الشاعر - وقدر رأته زوجته يطحن للأضياف- فضربت صدرها وقالت: أهذا زوجي؟ فبلغه ذاك فقال:
تقول - وصكت نحرها بيمينها- ... أبعلي هذا بالرحى المتقاعس؟ !
والشاهد في البيت قوله: أبعلي هذا؟ ! فإن صاحبته قد عبرت عنه باسم الإشارة القريب، إشارة منها إلى دنو منزلته، والتصاقه بالتراب متقاعساً يطحن بالرحى شأن الخدم والعبيد.
٤ - وقد يكون الغرض من تعريف المسند إليه باسم الإشارة: التنبيه على أن المشار إليه المعقب بأوصاف، جدير - من أجل تلك الأوصاف- بما ذكر بعد اسم الإشارة، وذلك مثل قوله تعالى: {هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (٢) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (٣) وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (٤) أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [البقرة: ٢ - ٥]، فالمشار إليه في الآية هم المتقون الموصوفون بالإيمان بالغيب، وإقامة الصلاة، والإنفاق مما رزقهم الله، والإيمان بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم وبما أنزل على الرسل من قبله، وبالإيقان بالآخرة.
وقد عبر عنهم باسم الإشارة (أولئك) - وإن كان التعبير عنهم بالضمير ممكناً- للتنبيه على أنهم - من أجل تلك الوصاف- جديرون بالهداية في الدنيا، وبالفلاح في الآخرة.
ومن هذا القبيل قول عروة بن الورد:
والله صعلوك صحيفة وجهه ... كضوء شهاب القابس المتنور
مطلاً على أعدائه يزجرونه ... بساحتهم زجر المنيح المشهر
وإن بعدوا لا يأمنون اقترابه ... تشوف أهل الغائب المتنظر
فذلك إن يلق المنية يلقها ... حميداً وإن يستغن يوماً فاحذر
فقد وصف عروة هذا الصعلوك بصفات هي: أنه مشرق الوجه بأعماله المجيدة، وأنه لا يزال يطل على أعدائه ويشرف عليهم، فيظفر منهم بكل ما يريد