ومما جاء في التشبيه معقوداً على تجريد هيئة الحركة، ثم لطف وعرف لما فيه من التفصيل والتركيب قول الأعشي يصف السفينة في البحر وتقاذف الرياح بها:
تقصُّ السَّفين بجانبيه كما ... ... ينزو الرياح خلاله كرع
الرياح: هو الفصيل، وقيل: القرد، والكرع: ماء السماء، شبه السفينة في انحدارها وارتفاعها بحركات الفصيل في نزوه؛ وذلك أن الفصيل - إذا نزا - ولاسيما في الماء وحين يعتريه ما يعترى المهر ونحوه من الحيوانات التي هي أول النشء -كانت له حركات متفاوتة تقيد لها أعضاؤه في جهات مختلفة، ويكون هناك تفل وتصعد على غير ترتيب، بحيث تكاد تدخل إحدى الحركتين في الأخرى، وذلك أشبه شيء بحال السفينة وهيئة حركاتها حين يتدافعها الموج.
وقد يقع التركيب في هيئة السكون كما في قول المتنبي في صفة كلب:
يقعي جلوس البدوي المصطلي ... بأربع مجدولة لم تجدل
"يقعي" أى: يجلس على إليته، وقوله:"جلوس البدوي الصطلى" من اصطلى بالنار، ووجه الشبه: هو الهيئة الحاصلة من موقع كل عضو من الكلب في إقعائه، لأنه يكون لكل عضو منه في الإقعاء موقع خاص، وللمجموع صورة خاصة مؤلفة من تلك المواقع، وكذلك صورة جلوس البدوي عند الاصطلاء بالنار الموقدة على الأرض.
والمتعدد الحسي: ما سبق أن عرفته من تشبيه فاكهة بأخرى في الطعم، والرائحة واللون، فوجه الشبة - كما ترى - متعدد حسي، لأن الأول يدرك بحاسة الذوق، والثاني يدرك بحاسة الشم، والثالث يدرك بحاسة البصر.
والقسم الثاني: ما كان وجه الشبه فيه عقلياً، أي مدركاً بالعقل، سواء أكان واحداً، أو مركباً، أو متعدداً
فالواحد العقلي: يكون طرفاه عقليين، أو حسيين، أو مختلفين
فالواحد العقلي ذو الطرفين العقليين كما في قولك:"وجود الكسول كعدمه" إذ وجه الشبه - وهو "عدم النفع" - عقلي، والطرفان - وهما:"وجود الكسول" و "عدمه" عقليان - أيضاً.