للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هذا الذي نعرف البطحاء وطأته ... والبيت يعرفه والحل والحرم

هذا ابن خير عباد الله كلهم ... هذا التقي النقي الطاهر العلم

هذا ابن فاطمة إن كنت جاهله ... بجده أنبياء الله قد ختموا

وليس قولك: من هذا؟ بضائره ... العرب تعرف من أنكرت والعجم

فقد عرض الشاعر بغباوة هشام بن عبد الملك بتكراره المسند إليه معرفاً باسم الإشارة في الأبيات الثلاثة الأولى إذا قال: (هذا الذي تعرف البطحاء وطأته) (هذا ابن خير عباد الله كلهم) (هذا التقي النقي الطاهر العلم) (هذا ابن فاطمة إن كنت جاهله) فكأن هشاماً غبي لا يفهم إلا المحسوسات التي يشار إليها بالبنان، ولكنه كرر اسم الإشارة لينبه إلى أن غباوة هشام قد زادت حتى أصبح لا يفهم المحسوسات التي يشار إليها إلا إذا تأكدت بالتكرار.

[٣ - تعظيم المسند إليه أو تحقيره]

واسم الإشارة للقريب قد يكون مجالاً للتعظيم، وقد يكون مجالاً للتحقير، وكذلك اسم الإشارة للبعيد. قد يكون مجالاً للتعظيم، وقد يكون هو الآخر مجالاً للتحقير.

فقول الله تعالى: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} [الإسراء: ٩] قد قصد فيه تعظيم المسند إليه - وهو القرآن الكريم- بالقرب، تنزيلاً لقربه من النفس منزلة قرب المسافة، ولهذا عبر عنه باسم الإشارة الموضوع للقريب تحقيقاً لهذا الغرض.

وقول الله تعالى: حكاية عن امرأة العزيز - رداً على أولئك النسوة اللائي لمتها في يوسف عليه السلام-: {فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ} [يوسف: ٣٢] قد قصد فيه تعظيم يوسف عليه السلام، ولهذا عبر عنه باسم الإشارة الموضوع للبعيد، فقال: {فَذَلِكُنَّ} ولم يقل: {فهذا} - مع أنه كان حاضراً معهن في المجلس، رفعاً لمنزلته في الحسن البالغ حد الكمال، وتمهيداً لإبداء العذر في افتتانها به.

وقوله تعالى: {فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ} [الماعون: ٢] قد قصد به تحقير المسند إليه - وهو الذي يدع اليتيم- بالبعد تنزيلاً لبعده عن ساحة الحضور والخطاب منزلة بعد المسافة.

<<  <   >  >>