للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والآخر: ألا يقوم شيء مقام الاستئناف، اكتفاء بالقرينة الدالة، كما في قوله تعالى: {فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ} [الذاريات: ٤٨]- على قول من يجعل المخصوص خبرًا لمبتدأ محذوف أي: هم نحن، أو مبتدأ لخبر محذوف، أي: نحن هم.

(٤) أن تسبق جملة بجملتين يصح عطفها على إحداهما لوجود المناسبة بينهما ولا يصح عطفها على الأخرى؛ لأن في العطف إفسادًا للمعنى؛ فيترك العطف كلية دفعًا لتوهم أن تكون الجملة المعطوفة معطوفة على التي لا يصح العطف عليها، ويسمى الفصل -حينئذ- قطعًا، ويكون بين الجملتين اللتين قصد فصلهما: (شبه كمال الانقطاع).

وذلك نحو قول الشاعر:

وتظن سلمى أنني أبغى بها ... بدلا أراها في الضلال تهيم

فجملة: (أراها في الضلال تهيم) يصح عطفها على جملة: (وتظن سلمى) لكن يمنع من هذا توهم العطف على جملة: (أبغي بها بدلاً) فتكون جملة: (أراها) من مظنونات سلمي، وذلك غير مقصود، ولهذا امتنع العطف كلية ووجب الفصل.

(٥) أن تكون الجملتان متوسطتين بين كمال الاتصال وكمال الانقطاع مع قيام المانع من الوصل، وذلك بأن تكون الجملتان متفقتين خبرًا أو إنشاءً وبينهما رابطة قوية ولكن يمنع من العطف مانع، وذلك بأن يكون للأولى حكم لم يقصد إعطاؤه للثانية: كقوله تعالى: {وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ (١٤) اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ (١٤) اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} [البقرة: ١٤، ١٥] فجملة: {اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} لا يصح عطفها على جملة {قَالُوا} لئلا يلزم من ذلك اختصاص استهزاء الله بهم بوقت خلوهم إلى شياطينهم، والواقع أن استهزاء الله بهم غير مقيد بوقت من الأوقات، ولا يصح -أيضًا- أن تعطف جملة: {اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} على جملة {إِنَّا مَعَكُمْ} لئلا يلزم من ذلك أن تكون الجملة المعطوفة من مقول المنافقين مع أنها من مقول الله تعالى.

<<  <   >  >>