[الفعل المتعدي إذا أسند إلى الفاعل، ولم يذكر له مفعول كان الغرض من ذلك أمرين]
أولهما: أن يكون الغرض هو مجرد إسناد الفعل إلى الفاعل، دون النظر إلى المفعول، وحينئذ يكون الفعل المتعدي بمنزلة اللازم، فلا يذكر له مفعول، لئلا يفهم السامع أن الغرض هو الإخبار بوقوع الفعل باعتبار تعلقه بالمفعول، لا مجرد نسبته إل الفاعل الذي هو المقصود، وهذا الفعل المنزل منزلة اللازم ضربان:
أحدهما: أن يذكر الفعل ولا ينوي له في النفس مفعول أصلاً، لأن الغرض هو إثبات الفعل في نفسه أو نفيه، وذلك كما في قوله تعالى:{هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ}! ؟ [الزمر: ٩] فالفعل متعد قطعاً إلى مفعول، لأن الأصل: هل يستوي الذين يعلمون الدين، والذين لا يعلمونه؟ فحذف المفعول المذكور ونزل الفعل منزلة اللازم، وصار المراد من الفعل حقيقته، والمعنى: هل يستوي الذين وجدت فيهم حقيقة العلم، والذين لم توجد عندهم حقيقته؟
ومن هذا القبيل قول الله تعالى: {وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى (٤٣) وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا} [النجم: ٤٤] وقولهم: (فلان يحل ويعقد، ويأمر وينهي) وقولهم: (فلان يضر وينفع ويعطي ويمنع) ففي كل تلك الأمثلة لا تعرض لحديث المفعول، لأن الغرض هو إثبات الفعل في حد ذاته.
والآخر: أن يذكر الفعل وينوي له في النفس مفعول خاص قد علم موضعه من سبق ذكر أو قرينة حال، ولكنك تنسيه نفسك، وتخيل أنك لم تقصد إلا إلى ذات الفعل قاصداً بذلك المبالغة فيه، وذلك كما في قول البحتري يمدح المعتز بالله الخليفة العباسي، ويعرض بأخيه المستعين بالله وكان ينازعه الخلافة: