(د) التسخير: وذلك في مقام انقياد المأمور للأمر من غير قدرة له فيه؛ فاستعمال صيغة الأمر في التسخير مجاز، علاقته المشابهة بينه وبين الأمر في مطلق الإلزام، ومنه قول الله تعالى:{كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ}[البقرة: ٦٥]؛ وقيل: العلاقة بين الأمر والتسخير هي السببية؛ وذلك لأن إيجاب شيء لا قدرة للمخاطب عليه يتسبب عنه تسخيره لذلك.
(هـ) الإهانة: وذلك في مقام عدد الاعتداد بشأن المأمور؛ واستعمال صيغة الأمر في الإهانة مجاز علاقته اللزوم؛ لأن طلب الشيء من غير قصد حصوله لعدم القدرة عليه مع كونه من الأمور الحسية يستلزم إهانته، ومنه قوله تعالى:{كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيداً}[الإسراء: ٥٠].
والفرق بين الإهانة والتسخير: هو: أن الإهانة لا يحصل فيها المأمور به بخلاف التسخير، فليس الغرض إذن من الأمر في الآيتين الطلب، لأن الكفار ليس في استطاعتهم أن يكونوا قردة؛ كما أنه ليس في استطاعتهم أن يكونوا حجارة أو حديدًا، ولهذا كان الغرض من الأمر في الآية الأولى: التسخير؛ لأن المأمور به حاصل وقت إيجاد الصيغة؛ وهو: صيرورتهم قردة؛ وكان الغرض من الأمر في الآية الثانية: الإهانة؛ لأن المأمور به غير حاصل؛ وهو: صيرورتهم حجارة أو حديدًا.
ومنه قول الله تعالى:{ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ}[الدخان: ٤٩]؛ إذ ليس المراد من الأمر هنا ذوق العذاب؛ لأن الكافر حال الخطاب يذوق العذاب فعلاً.
(و) التسوية بين الشيئين: وذلك في مقام توهم رجحان أحد الأمرين على الآخر، فاستعمال صيغة الأمر في التسوية بين الشيئين مجاز علاقته بالتضاد، ومنه قوله تعالى:{فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا}[الطور: ١٦]؛ فقد يتوهم المخاطب أن الصبر نافع، فيدفع ذلك بالتسوية بين الصبر والجزع، ومثله قوله تعالى:{قُلْ أَنفِقُوا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ}[التوبة: ٥٣]؛ فقد توهموا أن الإنفاق طوعًا مقبول دون الإنفاق كرهًا، فسوى بينهما في عدم القبول، فليس المراد إذن من الأمر في الآيتين الأمر بالصبر أو الإنفاق؛ ولكن المراد به كما تدل عليه القرائن هو: التسوية بين الأمرين.