للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الصورة الثالثة: الالتفات من الخطاب إلى التكلم: ويمثلون لها بقول علقمة بن عبدة بن النعمان بن قيس:

طحا بك قلب في الحسان طروب بعيد الشباب عصر حان مشيب

يكلفني ليلي وقد شط وليها ... وعادت عوادٍ بيننا وخطوب

فقد التفت الشاعر من الخطاب في (طحا بك) إلى التكلم في (يكلفني).

والسر في هذا الالتفات: أن الشاعر بعد أن جرد من نفسه شخصاً يخاطبه ويحدثه عما فعل به القلب بشغفه بالحسان بعد انصرام الشباب واقتراب المشيب، أحس بما ينوه به من تكليف القلب له وصل ليلى في وقت عز فيه وصالها، وحالت نوازل الأيام دونه فالتفت إلى نفسه، فأجرى الحديث على طريق التكلم ليبث شكواه فيما ينوه به.

الصورة الرابعة: الالتفات من الخطاب إلى الغيبة، ويمثلون له بقول الله تعالى: {حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ} [يونس: ٢٢]، وذلك لأن المخاطبين هم الذين إذا أنجاهم الله من الغرق يبغون في الأرض بغير الحق، فناسب أن ينقل الحديث إلى الغيبة إعراضاً عنهم وتشهيراً بهم، ودعوة لغيرهم أن يأخذوا من قصتهم عظة وعبرة، لأنهم لما كانوا في الفلك، كانوا في مقام الشهور والوجود فناسب المقام خطابهم، فلما جرت بهم الريح، وذهبوا بعيداً عن مقام الخطاب ناسب حالهم طريق الغيبة.

الصورة الخامس: الالتفات من الغيبة إلى التكلم، ويمثلون له بقول الله تعالى: {وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ} [فاطر: ٩]، التفت من الغيبة في قوله: {وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ} إلى التكلم في قوله: "فسقناه" وكان مقتضى الظاهر أن يقال: فساقه، وذلك لأن سوق السحاب إلى بلد مست فيحيا، أمر لا يقدر عليه غير مقسم الأرزاق سبحانه وتعالى؛ لأن ذلك نوع من قسمة الأرزاق، حيث يسوقها - سبحانه- إلى من يشاء من عباده، فناسب أن يسند السوق إلى ذاته العلية.

<<  <   >  >>