عرف العرب - في جاهليتهم - بفصاحة اللسان، وبلاغة القول، وجمال التعبير كما اشتهروا بالإيجاز والبعد عن فضول الكلام، ولم يكن ذلك عن علم درسوه، ولا عن قواعد تعلموها وإنما كان ذلك كله سليقة وطبعاً.
بيد أنهم كانت لهم ملاحظات نقدية على بعض الشعراء، تداولتها كتب الأدب والنقد فيما بعد كالذي رووه من أن النابغة الذبياني كان حكم العرب في الجاهلية وكانوا يضربون له قبة من أدم بسوق عكاظ، فتأتيه الشعراء، فتعرض عليه أشعارها، فيقول فيها كلمته فتسير في الناس ولا يستطيع أحد أن ينقضها، قالوا: وقد جلس النابغة للفصل مرة وتقاطر عليه الشعراء ينشدون بين يديه آخر ما أحدثوه من الشعر، أو أجود ما أحدثوه، وكان فيمن أنشده: أبو بصير ميمون أعشى بني قيس، فما إن سمع قصيدته حتى قضى له، ثم جاء من بعده شعراء كثيرون فيهم حسان بن ثابت الأنصاري فأنشدوه، وجاءت في أخريات القوم: تماضر بنت عمرو بن الشريد الخنساء، فأنشدته رائبتها التي ترثى فيها أخاها صخراً، والتي تقول فيها:
وإن صخراً لنأتم الهداة به ... كأنه علم في رأسه نار
فيروقه هذا الكلام ويأخذ بمجامعه فيقول للخنساء: لولا أن أبا بصير أنشدني آنفاً لقلت: إنك أشعر الجن والإنس! ويسمع حسان ذلك فتأخذه الغيرة ويذهب الغضب بتجلده، فيقول للنابغة:"أنا - والله - أشعر منها، ومنك، ومن أبيك! ! ".
فيقبل عليه أبو أمامة، فيسأله: حيث تقول ماذا؟ ، فيقول: حيث أقول:
لنا الجفنات الغر يلممن بالضحى ... وأسيافنا يقطرن من نجدة دما
ولدنا بني العنقاء وابني محرق ... فأكرم بنا خالاً وأكرم بنا ابنما
فيقبل عليه النابغة، فيقول:"إنك شاعر" ولكنك أقللت جفانك وسيوفك وقلت: "يلمعن بالضحى" ولو قلت: "يبرقن بالدجى" لكان أبلغ في المديح، لأن