وهذا الضرب يحسن تقويته بمؤكد واحد، كقولك: لمحمد ناجح، وإن محمداً ناجح، وكقوله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ}[التوبة: ١١١] وكقول أمير الشعراء:
دقات قلب المرء قائلة له ... إن الحياة دقائق وثوان
وإنما سمى هذا الضرب طلبياً، لأن المخاطب به طالب لنوع من التأكيد يزيل به تردده.
[والثالث: الإنكاري: وهو ما يلقى إلى المنكر للخبر والرافض لقبوله.]
وهذا الضرب يجب تأكيده بحسب قوة الإنكار وضعفه، فكلما ازداد الإنكار زيد في التأكيد، وذلك مثل قولك لمنكر نجاح محمد: إن محمداً ناجح، فإذا زاد في إنكاره قلت له: والله إن محمداً لناجح. وهكذا.
فالآية الكريمة تصور حواراً جرى بين الرسل وأصحاب القرية التي أرسلوا إليها، وقد جاء خطاب الرسل لأصحاب القرية في المرة الأولى مؤكداً بإن، واسمية الجملة، لأنهم كذبوا، بدليل قوله تعالى:{فَكَذَّبُوهُمَا} فلما رد عليهم أصحاب القرية بقولهم: {مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا} مؤكدين ردهم بالنفي والاستثناء أي: لستم رسلاً، لاعتقادهم أن الرسول لا يكون بشراً، مردفين ذلك بقولهم:{وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ} وهو تأكيد ثان لنفي الرسالة عنهم بصورة أبلغ، لأنهم نفوا أن يكون الله تعالى قد أنزل شيئاً عليهم أو على غيرهم، ثم أردفوا ذلك بقولهم:{أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ} فوصفوا رسل الله بالكذب بأسلوب مؤكد بالنفي والاستثناء، فما كان من الرسل - عليهم السلام- إلا أن ردوا عليهم بعد هذا العناد والإنكار والمكابرة والتطاول - بقولهم-: {رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ}