للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[تقديم المسند إليه]

من الأغراض التي ذكرها البلاغيون لتقديم المسند إليه، ما يلي:

١ - أن التقديم هو الأصل ولا مقتضى للعدول عن ذلك الأصل، كقولنا: (محمد خاتم النبيين)، فقد قدم المسند إليه، لأن الأصل فيه هو التقديم؛ لأن هو المحكوم عليه بأنه خاتم النبيين، فينبغي أن يذكر مقدماً.

٢ - أن يكون المقصود هو تمكن الخبر في ذهن السامع، لأن في المبتدأ تشويقاً إليه، كقول أبي العلاء المعرى:

والذي حارت البرية فيه ... حيوان مستحدث من جماد

أي: إن الذي حير الخلائق هو ذلك الحيوان الآدمي الناشئ من جماد، أي من طين، والشاهد فيه قوله: (والذي حارت البرية فيه)؛ حيث قدم المسند إليه؛ لأن فيه تشويقاً إلى الخبر، بقوله: (حارت البرية فيه) ومثل ذلك الأمر الذي يحير البرية مما يجعل النفس تتشوق إلى معرفته فإذا ما جاء الخبر وهو قوله: (حيوان مستحدث من جماد) عرفته النفس وتمكن منها أفضل تمكن، ومثل هذا قولهم: (الذي يقاوم الأسد في عرينه فلان) وهكذا.

٣ - تعجيل المرة للتفاؤل، أو المساءة للتطير، لكونه صالحاً للتفاؤل، أو المساءة، كقولك: (سعد في دارك) و (السفاح في دار صديقك)، فقد قدم المسند إليه في المثالين للمبادرة إلى إدخال السرور على قلب السامع، فيتفاءل بحصول الخبر في المثال الأول، وللمبادرة إلى إدخال الغم على قلبه، فيتطير من الخبر في المثال الثاني.

٤ - إيهام السامع أن المسند إليه لا يغيب عن خاطره لشدة حاجته إليه، أو أنه يستلذه لقربه من قلبه، أو أنه يتبرك به لسمو مقامه.

فالأول مثل قول الغفير: (الدرهم مطلوب) والثاني مثل قولك: (ليلى حضرت) وقول جميل بثينة:

<<  <   >  >>