للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والثاني: أن يقصد تعلق الفعل بمفعول، وأن يراعى في الكلام ويلتفت إليه، وحينئذ يجب تقدير هذا المفعول بحسب القرينة الدالة، إن عاماً فعام، وإن خاصاً فخاص، يعني إذا كان المدلول عليه بالقرينة عاماً فاللفظ المقدر عام، وذلك نحو قول الله تعالى: {وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ} [يونس: ٢٥] فالدعوة إلى الجنة عامة، ولهذا كان اللفظ المقدر عاماً، أي: كل أحد.

وإذا كان اللفظ المدلول عليه بالقرينة خاصاً، فاللفظ المقدر خاص كذلك، وذلك نحو قول عائشة - رضي الله عنها-: "ما رأيت منه ولا رأى مني" تقصد: العورة.

فإذا ما وجب تقدير المفعول تعين أنه مقصود، وأنه إنما حذف لغرض بلاغي ومن هنا تعلم أن حذف المفعول مشروط بشرطين:

أولهما: وجود القرينة الدالة.

والآخر: وجود الغرض الموجب للحذف.

[ومن الأغراض الموجبة لحذف المفعول]

أ- البيان بعد الإبهام وذلك في فعل المشيئة إذا وقع شرطاً ولم يكن تعلقه بالمفعول المحذوف غريباً، وكفعل المشيئة كل ما في معناه كالإرادة والمحبة، وذلك كما في قوله تعالى: {وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ} [النحل: ٩] فمفعول فعل المشيئة محذوف تقديره ولو شاء هدايتكم لهداكم.

ونكتة الحذف هنا: هي البيان بعد الإبهام، لأنه لما قيل: ولو شاء، علم أن هنا شيئاً تعلقت به المشيئة، لكنه مبهم، فلما جيء بجواب الشرط وضح ذلك الشرط، وعلم أنه الهداية.

فكل من الشرط والجواب قد دل على المفعول، غير أن الشرط دل عليه إجمالاً، والجواب دل عليه تفصيلاً، ولا ريب أن الإيضاح بعد الإبهام أوقع في النفس، لأن السامع حين يسمع قوله: "ولو شاء" - في شوق" إلى ما تعلقت به المشيئة، فإذا ما جاء بعد ذلك جاء والنفس في ولع ولهف ترقب قدومه فلا يلبث أن يقع منها موقع الماء القراح من ذي الغلة الصادي.

<<  <   >  >>