ومن هذا القبيل قول البحتري:
لو شئت عدت بلاد مجد عودة ... فحللت بين عقيقه وزروده
العقيق والزرود بفتح الزاي: موضعان ببلاد نجد.
أي: لو شئت عيادة بلاد نجد عدتها.
ومنه قول البحتري - أيضاً:
يا يوسف بن أبي سعيد والغني ... للمغمد العزمات غير مساعد
لو شئت لم تفسد سماحة حاتمٍ ... كرماً ولم تهدم مآثر خالد
أي: لو شئت عدم إفساد سماحة حاتم لم تفسدها، لكنه حذف مفعول المشيئة، فتحركت النفس لتعرف حقيقة مشيئة هذا الرجل ذي العزمات، فأدركها الشاعر ببيان هذه المشيئة، فارتاحت النفس لوقوعها منها هذا الموقع الحميد.
فإن كان في تعلق فعل المشيئة بالمفعول غرابة لم يستحسن حذف المفعول، لأن الجواب لا يدل عليه، لغرابة موضعه، وينبغي ذكره ليتقرر في ذهن السامع ويأنس به، وذلك نحو قول أبي الهندام الخزاعي، يرثى ابنه الهندام:
ولو شئت أن أبكي دماً لبكيته ... عليه ولكن ساحة الصبر أوسع
والشاهد فيه قوله: (ولو شئت أن أبكي دماً لبكيته) حيث صرح بمفعول المشيئة وهو: (أن أبكي دماً) لأنه من الغرابة بمكان أن يريد الإنسان بكاء الدم، ولهذا صرح به - وإن كان الجواب دالاً عليه- ليتقرر في ذهن السامع فتأنس النفس إليه.
ومن هذا القبيل قول الله تعالى: {لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً لَاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ} [الزمر: ٤]، لأنه من الغرابة بمكان أن يتخذ رب العالمين ولداً.
وقد يذكر الشاعر مفعول المشيئة - وهو غير مستغرب- وذلك لأن الواقع بعده لا يدل عليه، لأنه ليس من نوعه.
ومما جاء على هذه الطريقة قول أبي الحسن علي بن أحمد الجوهري، أحد شعراء الصاحب بن عباد: