للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[٢ - تشبيه مركب بمركب]

ومعنى التركيب هنا: هو الهيئة الحاصلة من مجموع أمور متعددة قد اجتمعت وتلاصقت وكونت شيئاً واحداً، حتى إنك لو أخذت وجه الشبه من بعضها لاختل التشبيه، وذلك كما ترى في قول البحتري يصف فرساً:

ترى أحجاله يصعدون فيه ... صعود البرق في الغيم الجهام

فالشاعر يريد أن يشبه هيئة اختلاط بياض الفرس بسواده بهيئة اختلاط بياض البرق بسواد الغيم، ولا يريد تشبيه بياض الأحجال "على انفراد" بالبرق، ولا تشبيه سواد الفرس بالغيم "على انفراد" كذلك.

ومنة قول أبى الطيب المتنبي يمدح على بن منصور الحاجب:

وإذا نظرت إلى السهول رأيتها ... تحت الجبال فوارسا وجنائبا

وعجاجة ترك الحديد سوادها ... زنجاً تبسم أو قذالاً شائبا

فكأنما كسي النهار بها دُجي ... ليلٍ وأطلعت الرَّماح كواكبا

انظر كيف شبه هيئة اختلاط بياض الحديد بسواد العجاجة وهى: الغبار المثار بهيئة طلوع الكواكب في ظلمات الليل.

فالشاعر هنا لا يريد تشبيه سواد العجاجة منفرداً بظلمات الليل، ولا تشبيه بياض الحديد منفرداً بطلوع الكواكب، لأن المشبه قد عبر عنه قبل هذا البيت مباشرة بقوله: "زنجاً تبسم" وبقوله: "قذالاً شائباً"، وهاتان الصورتان لا تقطيع معهما إفراد السواد عن البياض، ولا إفراد البياض عن السواد.

وخير مثال لهذا الضرب "أي تشبيه المركب بالمركب" قول بشار بن برد:

كأنَّ مثار النقع بين رؤوسنا ... وأسيافنا ليل تهاوى كواكبه

فالشاعر يصف حربا دائرة بين جيشين يقتتلان بالسيوف وقد علاهما غبار كثيف، وهو لا يريد تشبيه النقع منفرداً بالليل، ولا تشبيه السيوف منفردة بالكواكب، وإنما يريد تشبيه الهيئة المنتزعة من غبرة قاتمة قد انعقدت فوق الرؤوس

<<  <   >  >>