للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومثال الثاني قول أبي بكر الخالدي:

يا شبيه البدر حسناً ... وحياءً ومنالا

وشبيه الغصن ليناً ... ... وقواماً واعتدالاً

أنت مثل الورد لوناً ... ونسيماً وملالا

زارنا حتى إذا ما ... ... سرنا بالقرب زالا

والمجمل: هو ما لم يصرح فيه بوجه الشبة على صورته الخاصة، وهو قسمان:

الأول: ما كان وجه الشبه فيه ظاهراً، كما في قولك: (شعر كالفحم) و (قد كالغصن) و (وجه كالبدر)، فوجه الشبه في كل هذه الأمثلة غير مصرح به، ولكنة ظاهر لا يحتاج إلى إعمال فكر.

والثاني: ما كان وجه الشبة فيه خفياً، لا يدرك ببديهة النظر، بل يحتاج إلى تأمل وإمعان فكر، ومنة ما روى من أن فاطمة بنت الخرشب الأنمارية، سئلت عن بنيها الأربعة: أيهم أفضل؟ فقالت: (هم كالحلقة المفرغة، لا يدرى أين طرفاها) إنهم في تناسبهم في الشرف والشجاعة وعدم تفاوتهم فيها بحيث يمتنع تعيين أحدهم فاضلاً وأحدهم مفضولاً كالحلقة المتصلة الجوانب، فان أجزاءها متناسبة يمتنع تعيين بعضها طرفاً، وبعضها وسطاً، فوجه الشبة هو: (التناسب الكلى الخالي من التفاوت) وهو غير مصرح به، ولكن أشعر به قولها: (لا يدرى أين طرفاها) غير أنه في المشبه تناسب في الشرف، وفي المشبه به تناسب في الأجزاء، وهو - كما ترى خفي - لا يدركه إلا من ارتفع عن طبقة العامة إلى طبقة الخاصة.

القريب المبتذل، والبعيد الغريب: ينقسم التشبيه - باعتبار الوجه أيضاً - إلى قسمين: قريب مبتذل وبعيد غريب.

فأما القريب المبتذل، فهو: (ما ينتقل فيه الذهن من المشبه إلى المشبه به من غير تأمل ونظر، بسبب وضوح وجه الشبة فيهما، وذلك كتشبيه الوجه بالقمر، وتشبيه الخد بالورد، وتشبيه الصوت الجميل بصوت البلبل فكل من التشبيهات السابقة قريب مبتذل، لسهولة انتقال الذهن فيه من المشبه إلى المشبه به، بسبب وضوح الوجه بين الطرفين.

<<  <   >  >>