للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أي: كريم النفس، وليس بشيء، لأن الكراهة في السمع لا تكون إلا من تنافر حروف الكلمة أو غرابتها. فليست شيئاً آخر غيرها، والجرشى في بيت أبي الطيب تدخل في الغرابة.

وأما فصاحة الكلام: فقد شرطوا لها أموراً ثلاثة:

أولاً: أن يكون الكلام خالياً من ضعف التأليف: ويقصدون، أن يكون تأليف الكلام جارياً على خلاف المشهور من قواعد النحو، كالإضمار قبل الذكر لفظاً ومعنى، نحو: ضرب غلامه زيداً، وإن كان ذلك مما أجازه الأخفش، وتبعه ابن جني، لشدة اقتضاء الفعل المفعول به كالفاعل واستشهد بقول النابغة الذبياني:

جزي ربه عني عدى بن حاتم ... جزاء الكلاب العاويات وقد فعل

وقول الشاعر:

لما عصى أصحابه مصعبا ... أدى الكيل صاعا بصاع

وأجيب عنه بأن الضمير للمصدر المدلول عليه بالفعل، أي: رب الجزاء، وأصحاب العصيان، كقوله تعالى: {اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة: ٨] أي العدل، وأما ما جاء مخالفاً لهذا فشاذ لا يقاس عليه.

ثانياً: أن يكون خالياً من تنافر الكلمات، بألا تتكرر فيه كلمات ذات جرس واحد أو متقارب، لأن تكرارها يؤدي إلى صعوبة النطق بها، وقد ضربوا مثالاً لتنافر الكلمات بقول الشاعر:

وقبر حرب بمكان قفر ... وليس قرب قبر حرب قبر

ومن التكرار القبيح قول الشاعر:

وازور من كان له زائراً ... وعاف عافي العرف عرفانه

وهناك نوع من تنافر الحروف لم يبلغ هذا الحد من الثقل، وإنما هو أخف حدة من سابقه، كالذي تراه من قول أبي تمام:

كريم متى أمدحه أمدحه والورى ... معي وإذا ما لمته لمته وحدي

<<  <   >  >>