فقد ضمنه عبد القاهر أسرار بلاغة الأساليب، وهو يرى أنها كامنة في معانيها لا في ألفاظها، كما يرى أن جمال الألفاظ تابع لجمال المعاني، ولهذا فإنه يقدم لموضوعات (الأسرار) بمقدمات تؤكد هذا المعنى، وقد ذكر فيها أن السجع والحشو وغيرها مما يظن أن الحسن والقبح فيها راجع إلى الألفاظ إنما مرجع الحسن والقبح فيها إلى المعاني، ولهذا فإنك لا تجد تجنيساً مقبولاً ولا سجعاً حسناً حتى يكون المعنى هو الذي طلبه واستدعاه، وكذلك الشأن في التطبيق والاستعارة، ولم يكن غرضه من تلك المقدمات التي ذكرها إلا لكي يتوصل إلى أمر المعاني كيف تتفق وتختلف، ومن أين تجتمع وتفترق، ويبين أجناسها وأنواعها، ويتبع خاصها ومشاعها، ويذكر أحوالها، وقد رأى أن أول ذلك وأحقه بأن يستوفيه ويتقصاه هو التشبيه والتمثيل والاستعارة، وقد رأى أنه إذا ما تتبع الترتيب المنطقي لهذه الموضوعات فإنه سيبدأ بالقول في الحقيقة والمجاز، ثم يتبعه القول في التشبيه والتمثيل، ثم يرتب عليها الاستعارة، غير أنه عدل عن هذا الترتيب، فبدأ بالاستعارة لأهميتها في البلاغة فبين طرفاً منها، ونبه على طريق الانقسام فيها حتى إذا ما عرض ما يكشف ويبين سعة مجالها عطف عنان الشرح إلى الفصلين الآخرين فوفى حقهما وبين فروقهما، ثم انصرف إلى استفصاء القول في الاستعارة.