للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وما بي - لعمرى - من وقار، وإنما ... هو العجز لولاه سبقت خياليا ...

وعززت ساقي اللتين تراخياً ... بثالثة لم تجر فيها دمائياً! ! ...

فلفظ الأبيات الثلاثة خبر، ولكنه أراد إنشاء التحسر على ذهاب الشباب.

[متى تحسن الاستعارة؟]

يرى البلاغيون أن من شروط حسن الاستعارة ما يلي:

أولاً: رعاية جهات حسن التشبيه، أي مراعاة أسباب حسنه لأنها مبنية عليه، فتحسن بحسنه، وتقبح بقبحه.

فمن جهات حسن التشبيه: أن يكون وافياً بالغرض منه، وأن يكون وجه الشبه فيه غير مبتذل، فإذا أردت- مثلاً- تزيين المشبه، كوجه أسود، فقلت: "رأيت مقلة ظبي" حسنت الاستعارة، لوفاء التشبيه بالغرض فإذا قلت- وأنت تريد تزيين المشبه - "رأيت فحما"، وأردت وجها أسود لم تحسن الاستعارة لعدم حسن التشبيه، لأنه لم يفت بغرضك وهو التزيين.

ثانياً: أن يزداد بعدها عن الحقيقة بالترشيح، ولهذا كانت الاستعارة المرشحة أكثر قبولاً في ذوق البلغاء من أختيها.

ثالثاً: ألا يشتم فيها رائحة التشبيه لفظاً، ومعنى ذلك ألا يذكر في الكلام لفظ يدل على المشبه، كما في قولك: "زارني بدر في منزلي"، إذ ليس في العبارة ما يدل على المشبه:

أما قول الشاعر:

لا تعجبوا من بلى غلالته ... قد زر أزراره على القمر

فالاستعارة هنا: قليلة الحسن، لأن معها ما يدل على المشبه، وهو: الضمير في قوله: "غلالته" وفي قوله "أزراره".

رابعاً: ألا يكون وجه الشبه خفياً جداً بحيث لا يدرك بغير تأمل ونظر، فلا تحسن استعارة لفظ "أسد" للرجل الأبخر، وهو ذو الفم النتن لخفاء وجه الشبه.

<<  <   >  >>