فقتل الملوك أعداءهم- عادة- إنما يكون لإرادة هلاكهم؛ لدفع مضارهم عن أنفسهم حتى يصفو لهم ملكهم من منازعتهم؛ وليس لما ادعاء من أن طبيعة الكرم قد غلبت عليه؛ ومبته أن يصدق رجاء الراجين.
لا يذوق إلا غفاء إلا رجاءً ... ... أن يرى طيف مستميح رواحًا
يقول: إن ممدوحه لولوعه الشديد باكتساب المحامد التي تورث الإنسان مجدًا لا ينام إلا رغبة من رؤية طيف لطالب نواله في وقت العشى.
فقد علل الإغفاء برغبته في رؤية طيفٍ لطالف نواله؛ مع أن للإعفاء علة حقيقة غيرها.
٣ - حسن التعليل للوصف غير الثابت الذي أريد إثباته وكان ممكنًا: ومثاله قول مسلم بن الوليد:
يا واشبا حسنت قينا إساءته ... نجى حذارك إنساني من الغرق
الواشي: هو الساعي، وإنساني: يعني به: إنسان عينه وهو سوادها، فقد استحسن إساءة الواشي وذلك أمر مخالف خالف فيه الناس؛ ولهذا فإنه قد عقبه بتعليل هذا الاستحسان؛ بأن حذره من الواشي منعه من البكاء فسلم إنسان عينيه من الغرق؛ وما كان كذلك فهو حسن.
فاستحسان إساءة الواشي لم يقل به أحد، ولكنه ممكن.
وقول الطغرائي:
عداي لهم فضل على ومنه ... فلا أبعد الرحمن عني الأعاديا
هم بحثوا عن زلتي فاجتنبتها ... وهم نافسوني فاجتئيت المعايا
فثبوت الفضل والمنة للأعداء أمر ممكن؛ ولكن الناس لا يعترفون بذلك ولكن الشاعر لما خالف الناس في هذا بحث عن علتين طريفتين سوغ بهما هذه المخالفة وقربها من العقل.