للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حينئذ: إن بين الجملتين (شبه كمال الاتصال)، ويسمى فصل الجملة الثانية عن الأولى في هذا الموضع: استئنافًا، والجملة الثانية، تسمى: مستأنفة.

والسؤال المفهوم من الجملة الأولى: إما أن يكون عن السبب العام للحكم نحو قول الشاعر:

قال لي: كيف أنت قلت: عليل ... سهر دائم وحزن طويل

أي: ما سبب علتك؟

وإنما كان السؤال هنا عن السبب العام دون الخاص؛ لأن العرف يقتضي أنه إذا قيل: فلان مريض، أن يكون السؤال عن السبب العام لمرضه، لا أن يقال: هل سبب علته كذا؟ حتى يكون السؤال عن السبب الخاص.

وإما أن يكون عن السبب الخاص: نحو قول الله تعالى: {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ} [يوسف: ٥٣]، كأنه قيل: هل النفس أمارة بالسوء؟ فقيل: إن النفس لأمارة بالسوء. فالسائل هنا قد نزل منزلة المتردد في هذا السبب الخاص؛ لأن الكلام قد تقدم فيه ما يشير إلى الخبر؛ لأن قوله -على لسان يوسف عليه السلام-: {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي} يشير إلى أن النفس أمارة بالسوء، والدليل على تنزيل السائل منزلة المتردد هو: تأكيد الخبر له، والخبر هنا طلبي في معنى الإنكاري، ولهذا أكد بأكثر من مؤكد واحد، فقد أكد بإن، واللام، واسمية الجملة.

وإما أن يكون السؤال عن غير السبب العام والسبب الخاص، وذلك نحو قوله تعالى: {قَالُوا سَلاماً قَالَ سَلامٌ} [هود: ٦٩]، كأنه قيل: فماذا قال إبراهيم عليه السلام؟ فقيل: قال: سلام.

والجملة المستأنفة قد تأتي بإعادة اسم ما استؤنف الحديث عنه، كأن يقال لرجل أحسن إلى محمد: (أحسنت إلى محمد، محمد خليق بالإحسان) فتفصل الجملة الثانية عن الأولى لكون الثانية جوابًا عن سؤال نشأ عن الأولى، استشعر سؤالاً تقديره: لماذا أحسنت إليه؟ إذا كان السؤال عن السبب العام، أو: هل هو جدير

<<  <   >  >>