وينبغي ان يتجنب الشاعر- في مديحه- كل ما يتطير منه حتى لا يتشاءم منه الممدوح أو بعض الحاضرين؛ وذلك كمطلع قصيدة ابي نواس؛ يهنئ بها بعض بني برمك بدار بذل في تجميلها كل ما يملك من الجهد؛ إذ بدأ بها أبو نواس بقوله:
أربع البلى؛ إن الخشوع لبادي ... عليك وإني لم أختك ودادي!
فتطير منها البرمكي واشمأز حتى ظهر الوجوم عليه.
ومن هذا القبيل: ما يروى أن المعتصم بني قصرًا فخمًا جلس فيه؛ وجمع الناس من أهله وأصحابه، وصعد إلى العرش فاستأذنه إسحق بن إبراهيم الموصلي في النشيد، فأذن له، فأنشده شعرًا بالغ الجودة في وصفه ووصف المجلس إلا أن أوله تشبيب بالديار القديمة وبقية آثارها، فكان أول بيت منها:
يا دار غيرك البلى ومحاك ... يا ليت شعري ما الذي أبلاك؟ !
فتطير المعتصم فيها. واعترض عبد الملك بن مروان على جرير عندما بدأ ينشده قصيدته فقال:
أتصحو أم فؤادك غير صاح ... عشية هم صحبك بالرواح؟
فقال عبد الملك:(بل فؤادك) كأنه استثقل هذه المواجهة، وإلا فهو يعلم أن الشاعر يخاطب نفسه. كما اعترض على ذمة الرمة عندما دخل عليه فاستنشده شيئًا من شعره فأنشده قصيدته التي يقوم في مطلعها:
ما بال عينك منها الماء ينسكب؟
وكان عين عبد الملك تدمع دائمًا؛ فتوهم أنه خاطبه أو عرض به فقال: وما سؤالك عن هذا؟ ومقته.
براعة الاستهلاك: أحسن الابتداءات هو ما ناسب الغرض الذي قصد إليه الشاعر بقصيدته والمعنى الذي تضمنته هذه القصيدة، ويسمى:(براعة الاستهلال) كقول أبي تمام يهنئ المعتصم بالله بفتح عمورية، وكان أهل التنجيم قد زعموا أنها لا تفتح في ذلك الوقت: