للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومنه قول الحارث بن ضرار بن نهشل يرثي أخاه يزيد:

لبيك يزيد ضارع لخصومة ... ومختبط مما تطيح الطوائح

والمختبط: من جاء يطلب المعروف من غير آصرة، والطوائح: الشدائد.

يقول: إن أخاه كان عوناً للضعفاء والمظلومين، ومقصداً لآمال المحتاجين والمكروبين، فليبكه هؤلاء جميعاً، وحق لهم أن يبكوا، فقد ذهب بذهابه صفات الكرم، ومات بموته محامد الشيم.

والشاهد هنا: (ضارع لخصومة) حيث حذف المسند إلى (ضارع) والتقدير: يبكيه ضارع، لأنه واقع في جواب سؤال مقدر، تقديره: "من يبكيه؟ ".

وذلك لأنه لما قال: (لبيك يزيد) ببناء الفعل للمجهول وقع فيه إبهام، فكان سائلاً سأل: من يبكيه؟ فقال: صارع لخصومة، أي: يبكيه ضارع لخصومة، ومختبط مما تطيح الطوائح.

وهذا البيت - وإن كان قريب المعنى من قول لبيد في رثاء النعمان ابن المنذر:

ليبك على النعمان شرب وقينة ... ومختبطات كالسعالى أرامل

إلا أن بيت الحارث بن ضرار بن نهشل قد بنى فيه (ليبك) للمجهول، فأسند الفعل إلى نائب الفاعل وهو: (يزيد) بينما بيت لبيد قد بنى فيه (ليبك) للمعلوم وأسند الفعل إلى فاعله، ولهذا فإن بيت الحارث فيه حذف للمسند، بينما بيت لبيد ليس فيه حذف للمسند.

وكان لصنيع الحارث بن ضرار من مزايا النظم البلاغي ما رآه البلاغيون مجملاً فيما يلي:

أولاً: تكرار الإسناد، وذلك لأن إسناد الفعل المبني للمجهول إلى نائب الفاعل يوحى بأنه له فاعلاً ينبغي أن يسند إليه، وهذا هو الإسناد الأول.

ولما كان ضارع فاعلاً لفعل مقدر تقديره: "بيكيه ضارع" فقد جاء الإسناد الثاني.

<<  <   >  >>