وإنما لم يصح تقديم المقصور عليه على المقصور في (إنما)، لأن في تقديمه إلباسًا للمعنى، فكل من الفاعل والمفعول الواقعين بعد الفعل يحتمل أن يكون هو المقصور عليه دون الآخر، ولم توجد قرينة تدل على أن أحدهما هو المقصور عليه دون الثاني، ولهذا جعلوا تأخير المقصور عليه دليلاً على القصر على المؤخر منهما.
فإذا قلت:(إنما حلل العلماء تربة القمر) كانت تربة القمر هي المقصور عليه، فإذا قدمتها، فقلت:(إنما حلل تربة القمر العلماء) كان العلماء هو المقصور عليه والعكس المعنى.
وعلى أية حال: فإن المقصور عليه في (إنما) هو المؤخر، بخلاف النفي والاستثناء، فإن المقصور عليه فيها يجوز تقديمه على قلة، لانتفاء اللبس حينئذ فالمقصور عليه هو الواقع بعد (إلا) سواء تقدم أو تأخر.
وإنما يؤخر المقصور عليه في (إنما) بشرطين:
الأول: إفادة معنى القصر من (إنما) فقط.
الثاني: ألا يعرض لتقديم المقصور عارض.
فإذا ما استفيد معنى القصر من "إنما" ومن غيرها، وجب تقديم المقصور عليه، وذلك كما في قولك:(إنما الكريم أكرمت) ففيه تقديم المقصور عليه على المقصور، لأن القصر ليس مستفادًا من (إنما) وحدها، بل منها ومن التقديم.
وإذا ما عرض لتقديم المقصور عارض، كامتناع تقديم الفاعل على الفعل، وجب تقديم المقصور عليه، كما في قولك:(إنما أعددت للأمر عدته)، وذلك لأن الفاعل -وهو تاء الفاعل- مقصور على الفعل الذي هو الإعداد، وهو يمتنع تقديمه على الفعل، لهذا وجب تقديم المقصور عليه، فإذا أردت -في هذا المثال- قصر الفعل على الفاعل، قلت:(ما أعد للأمر عدته إلا أنا).
وأما في (بل) و (لكن): فإن المقصور عليه هو ما بعدهما:
فإذا قلت -في قصر الموصوف على الصفة-: (ما العقاد خطيبًا بل كاتب) أو (لكن كاتب) كان المقصور عليه هو: كاتب، وإذا قلت- في قصر الصفة على