فهذه ثلاثة تراكيب قد دلت على معنى الكرم، وبعضها أوضح في الدلالة عليه من بعض، فأوضحها: ما صرح فيه بوجه الشبه والأداة جميعًا، "كما في المثال الأول" ويليه في الوضوح: ما صرح فيه بأحدهما "كما في المثال الثاني" وأقلها وضوحًا: ما لم يصرح فيه بواحدة منها "كما في المثال الثالث".
وتارة تعبر عنه بطريق المجاز، فتقول (رأيت بحرًا في منزلنا) تريد: محمدًا "مثلًا" فتشبهه بالبحر ثم تستعير له لفظ "البحر".
وتقول:(لجنة محمد تتلاطم بالأمواج) فاللجة والتلاطم بالأمواج من اوصاف البحر، وهذا دليل على أنك شبهت محمدًا بالبحر.
وتقول:(غمر محمد بفضله الأنام) فالغمر من أوصاف البحر، مما يدل أيضًا على أنك شبهت محمدًا بالبحر.
والمثالان الأخيران من قبيل الاستعارة المكنية.
وأوضح هذه الطرق: الأول، ويليه وضوحًا: الثاني، وأقلها وضوحًا: الثالث.
وتارة أخرى تعبر عنه بطريق الكناية، فتقول:(محمد كثير الرماد) و (هو مهزول الفصيل) و (هو جبان الكلب).
فهذه ثلاثة تراكيب قد دلت على معنى "الكرم" وذلك لأن كثرة الرماد إنما تكون من كثرة إحراق الحطب للطبخ للضيفان، وهزال الفصيل إنما يكون بإعطاء لبن أمه للضيوف، وجبن الكلب إنما يكون من كثرة الواردين عليه من الضيوف.
والمثال الأول أوضح هذه الطرق في الكرم، ويليه الثاني، فالثالث.
وقيدوا الاختلاف "بوضوح" الدلالة ليحترزوا به عن الاختلاف في مجرد اللفظ لا في وضوح الدلالة، وذلك كما إذا أوردت معنى واحدًا في تركيبين مترادفين وأنت عالم بمدلولات الألفاظ فيهما، كأن تقول "مثلًا" نشر فم محمد كنفح الطيب) ثم تقول: (رائحة ثغر محمد كأريج العطر) فمثل هذا "أيضًا" ليس من مباحث علم البيان، لتماثل التركبين في وضوح الدلالة على المعنى المراد،