فالتفصيل في الأبيات الثلاثة كأنه شيء واحد، لأن كل واحد منهم يشبه لمعان السيوف في الغبار بالكواكب في الليل، إلا أنك تجد لبيت بشار من الفضل ومن كرم الموقع ولطف التأثير ما لا يمكن إنكاره.
وذلك لأنه راعى ما لم يراعة غيره، وهو: جعل الكواكب "تتهاوى" فأتم التشبيه، وعبر عن هيئة السيوف وقد سلت من الأغماد وهى تعلو وترسب، وتجيء وتذهب، ولم يقتصر على أن يريك لمعانها في أثناء العجاجة، كما فعل الآخران.
وكان لهذه الزيادة التي زادها حظ من الدقة التي تجعلها في حكم تفصيل بعد تفصيل.
وذلك لأن إفادة هيئة السيوف في حركاتها - إنما أتت في جملة لا تفصيل فيها، إلا أن حقيقة تلك الهيئة لا تقوم في النفوس إلا بالنظر إلى أكثر من جهة واحدة، لأن لها في حال احتدام الحرب واختلاف الأيدي بها في الضرب اضطرابا شديداً وحركات سريعة، ثم إن لتلك الهيئة جهات مختلفة وأحوالا تنقسم بين الاعوجاج والاستقامة والارتفاع والانخفاض، وإن السيوف باختلاف هذه الأمور تتلاقى وتتداخل ويقع بعضها في بعض، ويصدم بعضها بعضاً، ثم إن أشكال السيوف مستطيلة، وقد نظم هذه الدقائق كلها في نفسه ثم أحضرها لك بلفظة واحدة ونبه عليها بأحسن التنبيه، وكمله بكلمة واحدة هي:"تهاوى" لأن الكواكب إذا تهاوت اختلفت جهات حركاتها وكان لها في تهاويها تواقع وتداخل، ثم إنه بالتهاوي تستطيل أشكالها، فأما إذا لم تزل عن أماكنها فهي على صورة الاستدارة.
فقد شبه ظلام الليل حين يظهر فيه الصبح بأشخاص الغربان، ثم شرط أن تكون قوادم ريشها بيضاً، لأن تلك الفروق من الظلمة تقع في حواشيها من حيث يلي معظم الصبح وعموده لمع نور يتخيل منها في العين، كشكل قوادم إذا كانت بيضاء وتمام التدقيق في هذا التشبيه في شيء آخر، وهو أنه جعل ضوء الصبح لقوة ظهوره