ولأنك حين تقول صلا: على طويل النجاد فإنما تريد أن تقول: على طويل القامة، فهي أيضاً - دعوى قام عليها دليلها - وهو: أنه طويل النجاد؛ لأنه يلزم من كونه طويل النجاد، أن يكون طويل القامة، فكأنك قلت فيهما: رأيت رجلاً شجاعاً يمتطى مهرة جواد لأنه أسد، وعلى طويل القامة، لأنه طويل النجاد.
ولكنك إذا جئت إلى الحقيقة في كل منهما، فقلت:"رأيت رجلاً شجاعاً يمتطي صهوة جواده"، و "على طويل القامة" اا كنت قد أتت في كل متهما بد عوى لم يقم عليها دليل، وما كان مؤيدا بالدليل أبلغ وآكد مما لم يقم عليه دليل.
والسر في أن الاستعارة أبلغ من التشبيه هو أن الاستعارة نوع من المجاز المبني على دعوى اتحاد المشبه والمشبه به، والتشبيه نوع من الحقيقة، والمجاز أبلغ من الحقيقة كما عرفت.
والسر في أنها أبلغ من المجاز المرسل: هو أن فيها دعوى اتحاد المشبه والمشبه به لفظاً ومعنى، أما المجاز المرسل في نحو قولك: أمطرت السماء نباتاً، فقيه دعوى الاتحاد لفظاً فقط، حيث أطلق اللفظ على المعني المجازى، ولكن الاتحاد في المعني غير موجود، لأنه ليس بين الماء والنبات تشابه حق يدعى اتحادهما.
والسر في أنها أبلغ من الكناية هو ما يلي:
أولا: أن الاستعارة فيها جمع بين الكناية والاستعارة من حيث أن الذهن فيها ينتقل من الملزوم كالأسد إلى اللازم كالرجل الشجاع، كما ينتقل - في الكناية - من الملزوم كطول النجاد إلى اللازم كطول القامة، ومن حيث أن فيها استعمالاً للفظ في غير معناه الذي وصوله لعلاقة المشابهة.
ثانيا: أن الاستعارة مجاز بالقطع، بينما الكناية - كما يقول البلاغيون - واسطة بين الحقيقة والمجاز.
هذا والاستعارة التمثيلية أبلغ أنواع الاستعارة، لأنها توجد في الهيئات المنتزعة من أمور متعددة، ففيها اعتبارات وملاحظات تحتاج إلى حسن روية وبعد نظر ويلي هذه الاستعارة في الأبلغية: الاستعارة المكنية، لأنها تشتمل على المجاز العقلي في قرينتها.
أما الاستعارة التصريحة فهي في المرتبة الثالثة.
وبعد، الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله.