فقد جعل سكب الدموع - وهو البكاء- كناية عما يستلزمه فراق الأحبة من الكآبة والحزن، وهذا كلام صحيح سليم، لأنه كثيراً ما تجعل الدموع دليلاً على الكآبة والحزن، يقال: أبكاني الدهر وأضحكني، أي: ساءني وسرني، ولكنه أخطأ في الكناية عما يوجبه دوام التلاقي والوصال من الفرح والسرور بجمود العين، وذلك لأن الانتقال من جمود العين إلى بخلها بالدموع حال إرادة البكاء، وهي حالة الحزن على مفارقة الأحبة، لا إلى ما قصده الشاعر من السرور الحاصل بملاقاة الأصدقاء ومواصلة الأحبة.
ولهذا لا يقال في الدعاء: لا زالت عينك جامدة. كما يقال: لا أبكى الله عينك، ويقال: سنة جماد لا مطر فيها، وناقة جماد: لا لبن فيها، كأنهما تبخلان بالمطر واللبن.
ومعنى بيت ابن الأحنف: إني اليوم أطيب نفساً بالبعد والفراق وأوطنها على مقاساة الأحزان والأشواق وأتجرع غصصها، وأحتمل لأجلها حزناً يفيض الدموع من عيني، لا تسبب بذلك إلى وصل يدوم ومسرة لا تزول، فإن الصبر مفتاح الفرج، ومع كل عسر يسر، ولكل بداية نهاية.
وقيل: ومما يخل بفصاحة الكلام: كثرة التكرار، وتتابع الإضافات، فمن كثرة التكرار قول أبي الطيب:
أهم بشيء والليالي كأنها ... تطاردني عن كونه وأطارد
وحيد من الخلان في كل بلدةٍ ... إذا عظم المطلوب قل المساعد
وتسعدني في غمرةٍ بعد غمرة ... سيوح لها منها عليها شواهد