قوله:(كلكم ضال إلا من هديته) ظاهر، هذا يقتضي أنهم خلقوا على الضلالة إلا من هداه الله تعالى، وفي صحيح مسلم:"إني خلقت الخلق حنفاء كلهم" وقال - صلى الله عليه وسلم -: "كل مولود يولد على الفطرة" قال المازري (١): قد يكون المراد بالأول وصفهم على ما كانوا عليه قبل مبعث النبي -صلى الله عليه وسلم- إليهم، أو أنهم لو تركوا وما في طباعهم من إيثار الشهوات والراحة ولضلوا، وهذا الثاني أظهر.
وفي هذا دليل لمذهب أصحابنا وسار أهل السنة أن المهتدي هو من هداه الله تعالى، وبهدى الله اهتدي، وبإرادة الله تعالى ذلك، وأنه سبحانه وتعالى إنما أراد هداية بعض عباده وهم المهتدون، ولم يرد هداية الآخرين، ولو أرادها لاهتدوا خلافًا للمعتزلة في قولهم الفاسد: إن الله تعالى أراد هداية الجميع، جل الله عن أن يريد ما لا يقع أو يقع ما لا يريد.
والمخيط: بكسر الميم وفتح الياء هو الإبرة، وهذا تقريب إلى الأفهام ومعناه: لا ينقص شيئًا؛ لأنَّ ما عند الله لا يدخله نقص، وإنما يدخل النقص المحدود الفاني وعطاء الله تعالى من رحمته وكرمه صفتان له قديمتان، لا تطرق إليهما نقص فضرب المثل بالمخيط في البحر، لأنه غاية ما يضرب به المثل في القله، والمقصود التقريب إلى الأفهام بما يشاهدونه، فإن البحر من أكبر المرئيات حجمًا، والإبرة من أصغر الموجودات مع أنها صقيلة لا يتعلق بها ماء، قوله: يا عبادي إنكم تخطئون، الرواية المشهورة في مسلم، تخطئون بضم التاء وروي بفتحها، وفتح الطاء يقال خطأ يخطأ إذا فعل ما يأثم به فهو خاطيء ويقال في الآثم أيضًا أخطأ فهما صحيحان.
١٦٧٧ - قال - صلى الله عليه وسلم -: "كان في بني إسرائيل رجل قتل تسعة وتسعين إنسانًا، ثمَّ خرج يسأل، فأتى راهبًا فسأله فقال: أَلَه توبة؟ فقال: لا، فقتله، وجعل يسأل، فقال له رجل: ائت قرية كذا وكذا، فأدركه الموت، فنأى بصدره نحوها، فاختصمت فيه ملائكة