لم يكن عمل الإمام أبي محمد مجرد الحذف والاختصار، أو الجمع والإضافة، ولكنه قصد إلى خُطةٍ تدل على براعة وإتقان، كما تدل على حفظ وتيقظ واستحضار، وذلك أنه راعى الجمع المستقصى، والتحرير البالغ، والترتيب الحسن، والتعليق المختصر المفيد.
١ - أما الجمع المستقصى فإن الإمام أبا محمد يسوق أتم ألفاظ الحديث وأوفاها، ثم يتبعها بزوائد الروايات المتفرقة، ولئن كان هذا ميسورًا في صحيح مسلم، فإن التقاط الروايات من أماكنها المتفرقة في صحيح البخاري أمر في غاية العسر، لولا ما أنعم الله به على الإمام عبد الحق من حفظ واستحضار عجيبين. ولذلك فإن القارئ يجد الحديث مزبورًا أمامه في صعيد واحد بكل رواياته المتفرقة في الصحيحين، مع التفصيل الواضح لما اتفق عليه الشيخان من ألفاظ الحديث وما انفرد به كل منهما.
* ومن استقصائه في الجمع: ذكره ما انفرد به مسلم استطرادًا حتى لا يفوت على قارئ الكتاب شيء مما في الصحيح.
مثال ذلك: أن الإمام مسلمًا أورد في كتاب الصلاة قول يحيى بن أبي كثير: (لا يستطاع العلم براحة الجسم)، فساقها أبو محمد في موضعها.