للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>


- قبل البعثة، وذكره أمية بن أبي الصلت في شعر له.
وقد نقل العلامة ابن القيم عن شيخه الإمام ابن تيمية في هذا كلاما قويا حسنا، أحببت نقل خلاصته لما فيه من الحجة الدامغة قال: «ولا خلاف بينهم- أي: النسابين- أن عدنان من ولد إسماعيل عليه السلام» ، وإسماعيل هو الذبيح على القول الصواب عند علماء الصحابة والتابعين، ومن بعدهم.
وأما القول بأنه إسحاق فباطل بأكثر من عشرين وجها، وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية- قدس الله روحه يقول: «هذا القول إنما هو متلقى عن أهل الكتاب مع أنه باطل بنص كتابهم» ، فإن فيه: «أن الله أمر إبراهيم أن يذبح ابنه بكره» وفي لفظ «وحيده» ، ولا يشك أهل الكتاب مع المسلمين أن إسماعيل هو بكر أولاده. والذي غرّ أصحاب هذا القول: أن في التوراة التي بأيديهم: «اذبح ابنك إسحاق» قال: وهذه الزيادة من تحريفهم، وكذبهم، لأنها تناقض قوله: «اذبح بكرك ووحيدك» ، ولكن اليهود حسدت بني إسماعيل على هذا الشرف، وأحبوا أن يكون لهم، وأن يسوقوه إليهم، ويحتازوه لأنفسهم دون العرب ويأبي الله إلا أن يجعل فضله لأهله، وكيف يسوغ أن يقال: إن الذبيح إسحاق؟ والله تعالى قد بشر أم إسحاق به، وبابنه يعقوب فقال تعالى- حكاية لقول الملائكة لإبراهيم لما أتوه بالبشرى: لا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمِ لُوطٍ وَامْرَأَتُهُ قائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ [هود: ٧٠- ٧١] .
فمحال أن يبشرها بأن يكون لها ولد ثم يأمر بذبحه، ولا ريب أن يعقوب عليه السلام داخل في البشارة، فتناول البشارة لإسحاق ويعقوب في اللفظ واحد، ويدل عليه أيضا أن الله سبحانه ذكر قصة إبراهيم وابنه الذبيح في سورة الصافات (الآيات: ١٠٣، ١١١] .
ثم قال تعالى: وَبَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ [الصافات: ١١٢] فهذه بشارة من الله تعالى له:
شكرا على صبره على ما أمر به، وهذا ظاهر جدا في أن المبشر به غير الأول، بل هو كالنص فيه.
وأيضا فلا ريب أن الذبيح كان بمكة، ولذلك جعلت القرابين يوم النحر بها، كما جعل السعي بين الصفا والمروة، ورمي الجمار تذكيرا لشأن إسماعيل وأمه، وإقامة لذكر الله، ومعلوم أن إسماعيل وأمه هما اللذان كانا بمكة، دون إسحاق وأمه، ولهذا اتصل مكان الذبح وزمانه بالبيت الحرام الذي اشترك في بنائه إبراهيم وإسماعيل، وكان النحر بمكة من تمام حج البيت الذي كان على يد إبراهيم وابنه إسماعيل، زمانا ومكانا، ولو كان الذبح بالشام- كما يزعم أهل الكتاب ومن تلقى عنهم، لكانت القرابين والنحر بالشام لا بمكة.
وأيضا فإن الله سبحانه وتعالى سمى الذبيح حليما، لأنه لا أحلم ممن أسلم نفسه للذبح طاعة لربه، ولما ذكر إسحاق سماه عليما، فقال تعالى: هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ الْمُكْرَمِينَ إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ ... إلى أن قال: قالُوا لا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ [الذاريات: ٢٤- ٢٨] .
وهذا إسحاق بلا ريب، لأنه من امرأته، وهي المبشّرة، وأما إسماعيل فمن السرية- يعني: هاجر- وأيضا فلأنهما بشّرا به على الكبر، واليأس من الولد، وهذا بخلاف إسماعيل فإنه ولد قبل ذلك.
وأيضا فإن سارة امرأة الخليل صلّى الله عليه وسلّم غارت من هاجر وابنها أشد الغيرة فإنها كانت جارية. فلما ولدت إسماعيل وأحبه أبوه اشتدت غيرة سارة فأمر الله سبحانه أن يبعد عنها هاجر وابنها، ويسكنها في أرض مكة، لتبرد عن سارة حرارة الغيرة، وهذا من رحمة الله تعالى بها ورأفته وإبعاده الضرر عنها، وجبره-[.....]

<<  <  ج: ص:  >  >>