للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بحرز «١» له، استسرارا.


- والأئمة الثلاثة لا يفرقون بينهما في عدم القطع نظرا لتحقق الشبهة في كل منهما. وإن لم تكن قوية في البعض وأوسع المذاهب في هذا مذهب الحنفية. حتى إنهم لا يقطعون في سرقة ذوي الأرحام بعضهم من بعض مع أن الشبهة هنا ضعيفة.
ينظر: «حد السرقة» لشيخنا إبراهيم الشهاوي. [.....]
(١) الحرز في اللغة: الموضع الحصين. ومنه: حديث الدعاء: «اللهمّ اجعلنا في حرز حارز» :
وفي اصطلاح الفقهاء: هو الموضع الذي يحفظ فيه المال عادة، بحيث لا يعد صاحبه مضيعا له بوضعه فيه كالدور والحوانيت والخيم. وهو يختلف باختلاف الأزمان والبلدان، ويتفاوت بتفاوت الأموال، وقوة السلطان وضعفه، وعدله وجوره ولهذا ترك الشارع بيانه، ولم ينص على تحديده كما لم ينص على بيان القبض، والفرقة في البيع، وأشباه ذلك مما يختلف باختلاف العرف، ولو كان له حد معين لما ترك الشارع بيانه.
هذا وقد ذهب جماهير الفقهاء إلى أن أخذ المسروق من حرزه شرط في وجوب القطع، فلا يقطع السارق إلا إذا أخذ المسروق من حرزه.
وذهب أهل الظاهر، والخوارج، وجماعة من أهل الحديث إلى عدم اشتراطه، فيجب عندهم قطع السارق مطلقا أخذ المسروق من حرزه أو لا.
استدل الجمهور بالمنقول، والمعقول:
أما المنقول: فما رواه مالك في «الموطأ» عن عبد الله بن عبد الرّحمن بن حسين المكي أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا قطع من ثمر معلّق ولا في حريسة الجبل، فإذا آواه المراح أو الجرين، فالقطع فيما بلغ ثمن المجنّ» .
ووجه الدلالة: أن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قد أثبت القطع في الثمر إذا سرق من جرينه، وفي الحريسة إذا أخذت من مراحها، ونفاه في سرقتهما قبل ذلك، فعلم أن المراح حرز للحريسة، والجرين حرز للثمر، وأن أخذهما من غير حرزهما لا قطع فيه وذلك يقضي باعتبار الأخذ من الحرز شرطا لوجوب القطع فيهما. وحيث لا فرق بين مال ومال، كان الأخذ من الحرز شرطا لوجوب القطع في سرقة كل مال.
وأما المعقول: فإن الله- تعالى- قد جعل الأموال مهيأة للانتفاع بها، فكانت موضع أطماع الناس، وموطن رغباتهم، واقتضت حكمته جل شأنه اختصاص الناس بالملك لأن ترك الأشياء مباحة للكل يجعل النفوس في جشع دائم، وحرص شديد لما جبلت عليه من الأثرة، وحب الذات، فيكون ذلك مثار الفتن، وسبب النزاع المستمر.
وإذا كانت رغبة النفوس في المال قوية وشغفها به أمر مطبوعة عليه، ووجد الاختصاص في الملكية، كان لا بد من شيء يحفظ المال على من اختص به. لذلك وجد النهي والزجر عن أخذ مال الغير بدون رضاه ليرتدع بذلك أصحاب المروءة، والديانة كما وجه الأمر للمالك بحفظ ماله حتى لا يكون طعمة لذوي الأطماع الخبيثة، والنفوس الدنيئة، الذين لا تؤثر فيهم الموعظة، ولا تفيدهم النصيحة حتى يروا العذاب رأي العين.
فإذا قام المالك بما طلب منه، ولم يفرط في صون المال من ناحيته. ثم اقتحم الغير عليه مأمنه، وهتك ما به الصون، كان من الحكمة أن يعاقب بالقطع لارتكابه تلك الجريمة بعد توجيه النهي إليه، وزجره بالعقاب الأخروي. -

<<  <  ج: ص:  >  >>