للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يا ابن الزبعرى، أنا أعرف عمر وذبّه عن الإسلام وأهله، وأعرف حسان وقلة صبره على ما فعلنا به، وكأني به قد جاء وشكا إليه ما فعلنا؛ فأرسل في آثارنا، وقال لرسوله: إن لم تلحقهما إلا بمكة، فارددهما عليّ.. فأربح بنا ترك العناء، وأقم بنا مكاننا، فإن كان الذي ظننت فالرجوع من الروحاء أسهل منه من أبعد منها. وإن أخطأ ظني؛ فذلك الذي نحب. فقال ابن الزبعري: نعم ما رأيت. فأقاما بالروحاء، فما كان إلا كمرّ الطائر حتى وافاهما رسول عمر، فردّهما إليه. فدعا لهما بحسان وعمر في جماعة من أصحاب رسول الله. فقال لحسان: أنشدهما مما قلت لهما فأنشدهما، حتى فرغ مما قال لهما، فوقف. فقال له عمر: أفرغت؟ قال: نعم. فقال له: أنشداك في الخلا، وأنشدتهما في الملأ.. وقال لهما عمر: إن شئتما فأقيما، وإن شئتما فانصرفا. وقال لمن حضره: إني كنت نهيتكم أن تذكروا مما كان بين المسلمين والمشركين شيئا، دفاعًا للتضاغن عنكم وبث القبيح فيما بينكم؛ فأما إذ أبوا، فأكتبوه، واحتفظوا به. قال الراوي: فدونوا ذلك عندهم. قال: ولقد أدركته والله وإن الأنصار لتجدده عندها إذا خافت بلاده.."١.

بل كان الرسول كما رأينا في خبر "حسان"، وكما ذكر في أخبار أخرى يجلس وأصحابه يتناشدون الأشعار، ويتذاكرون أشياء من أمور الجاهلية، وهو يسمع ويساهم معهم في الحديث، وينشدهم شيئًا مما حفظه٢. ولم ينهَ عن رواية شعرٍ ما إلا ما كان فيه فحش، أو إساءة أو إثارة فتنة. أما ما شابه ذلك، لما كان يحدثه ذلك الشعر من أثر سيِّئ في النفوس. لقد تمثل بشعر "أميّة بن أبي الصّلت" مع أنه كان من خصومه اللدّ"، وسمع الناس ينشدون شعره، ولم يكره منه إلا ما كان منه في تحريض قريش بعد وقعة "بدر" على المسلمين ورثائه من قتل منهم٣.

وقد كان "أبو بكر"، وهو الخليفة الأول، من خفظة الشعر الجاهلي


١ شرح ديوان حسان "ص. س. م".
٢ ابن سعد، الطبقات "١/ ٢ ص٩٥ وما بعدها"، الأغاني "٣/ ٧، ١١٧" "٤/ ١٢٩"، "٨/ ٢٤٣" الأمالي "١/ ٢٤١"، المرزباني "٢٠٣"، الفائق للزمخشري "٣/ ٥٢"، ابن سعد، "٥/ ٣٧٦".
٣ الأغاني "٤/ ١٢٢ ما بعدها"، الفائق "١/ ٦٦٤".

<<  <  ج: ص:  >  >>