للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الرعاة والحضارة]

وقد حدث في الجاهلية ما يحدث اليوم: يتنقل الأعراب بمواشيهم وبيوتهم وكل ما يملكون من باطن جزيرة العرب في الجفاف، فيتجهون نحو الشمال، نحو بلاد الشأم والعراق للرعي والاكتيال. ينزلون هناك جماعات حيث يجدون الماء والكلأ، في مواضع مختلفة قد تكون بعيدة عن القرى والمدن ممعنة في البادية، وقد تكون في أطراف القرى وبين الحضر، وقد يدخلون بين الحضر للاكتيال والامتيار وللري في مواضع العشب والكلأ المحيطة بهم. وهم على هذه الحالة ما دامت بهم حاجة إلى كل أولئك، فإذا انتهت أو شح ما قصدوه انتقلوا إلى مواضع أخرى، وهكذا كانت سنة البدوي في الحياة.

وقد كانوا يفدون دومًا من باطن الجزيرة، فيتوغلون في بادية الشأم ومنهم من كان يمعن في التوغل في تلك البادية حتى يصل أقصاها، أي أعاليها في الشمال، فيدخل الأرضين الجنوبية من "تركية" في الوقت الحاضر، وأعالي العراق وبلاد الشأم. ومنهم من كان يجد له طيب العيش والمقام، في هذه المهابط والمواطن الجديدة، فيقيم بها، وقد يتحضر قوم منهم، ومن هؤلاء تولد حضر العرب في هذه الديار.

ولما كان في مجيء الأعراب على هذه الصورة محاذير وأخطار على الحضر وعلى الحكومات، اضطرت الحكومات المسيطرة على العراق وبلاد الشأم إلى اتخاذ وسائل

<<  <  ج: ص:  >  >>