وفي أيام عبد المطلب كانت حملة أبرهة على مكة، وهي حملة روعت قريشًا وأفزعتهم، لما عرفوه من قساوة أبرهة ومن شدته في أهل اليمن، ومن انفراده بالحكم، واستبداده في الأمور، حتى إنه لما مات وذهب مع الذاهبين لم تمت ذكراه كما ماتت ذكرى غيره من الحكام، بل تركت أثرًا عميقًا في ذاكرة أهل اليمن، انتقل منهم إلى أهل الأخبار، فرووا عنه أقاصيص، ونسجوا حوله نسيجًا من أساطير وخرافات، على عادتهم عند تحدثهم عن الشخصيات الجاهلية القوية التي تركت أثرًا في أهل تلك الأيام، حتى إنهم لم يكتفوا بكل ما قالوه فيه، وكأنه لم يكن كافيًا، فجعلوا منه جملة رجال سموهم "أبرهة" نصبوهم ملوكًا وتبايعة على مملكة سبأ وحمير.
والرأي الغالب بين الناس أن حملة أبرهة على مكة، كانت قبل المبعث بزهاء أربعين سنة، وميلاد الرسول كان في عام هذه الحملة، وهو العام الذي عرف بـ"عام الفيل". وهو يوافق سنة "٥٧٠" أو "٥٧١م". وإنما عرف بعام الفيل؛ لأن الحبش كما يزعم أهل الأخبار جاءوا إلى مكة ومعهم فيل سموه "محمودًا"، وقد جاءوا به من الحبشة. وفي بعض الروايات أن عدد الفيلة كان ثلاثة عشر فيلًا، أو اثني عشر، أو دون ذلك، أو أكثر، وأوصلوا العدد إلى ألف فيل. ولوجود الفيل أو الفيلة في الحملة، عرفت بحملة الفيل، وعبر عن الحبش في القرآن الكريم بـ"أصحاب الفيل"١.
وقد ذهب بعض الرواة إلى أن عام الفيل إنما كان قبل مولد النبي بثلاث وعشرين سنة، وذكر بعضهم أنه كان في السنة الثانية عشرة من ملك "هرمز بن أنو شروان". ولما كان ابتداء حكم "هرمز بن أنو شروان" سنة "٥٧٩" فعام الفيل يكون في حوالي السنة "٥٨١" للميلاد لا سنة "٥٧٠" أو "٥٧١" للميلاد
١ سورة الفيل، الطبري "٢/ ١٣٠ وما بعدها" "دار المعارف"، الكامل "١/ ٢٦٠" تفسير ابن كثير "٤/ ٥٤٨ وما بعدها"، مروج "٢/ ٧١"، روح المعاني "٢٨/ ٢٣٣"، الطبرسي، مجمع "٣٠/ ١٩١"، الأزرقي "١/ ٨٢ وما بعدها"، البداية والنهاية، لابن كثير "٢/ ١٧٠"، تفسير الطبري "٣٠/ ١٦٦" "المطبعة الميمنية"، دائرة المعارف الإسلامية "١/ ٦١ وما بعدها"، ترجمة الشنتاوي.