وقد أكون مقصرًا هنا إذا أهملت الحديث عن صديق جزيرة العرب وأليفها الحبيب: الجمل. لقد تحدثت عنه في الجزء الأول من هذا الكتاب في أثناء تحدثي عن جزيرة العرب وعن ثرواتها بما فيه الكفاية. ولكنني لا زلت بحاجة إلى التحدث عنه بشيء لم أذكره في ذلك المكان ١، وسأذكره هنا لما له من صلة بهذا الموضع.
والإبل هي المال عند العرب. وبها كانوا يقدرون أثمان الأشياء ويتعاملون في تجارتهم وفي أسواقهم. فالجمل عندهم هو وحدة قياسية في البيع وفي الشراء وفي تقدير الحقوق كالديات والفدية والمهور والأراشة وما شاكل ذلك. وبمقدار ما يملك الإنسان من جمال تقدر ثروته وينظر إلى غناه؛ لأنه الحيوان الوحيد الذي في إمكانه قطع البوادي بخيلاء، رافع الرأس، غير عابئ بما يكون تحت أخفاف أرجله من رمال، هازئ بالعطش إذ هو صبور عليه، لمدة لا يمكن أن يباريه في طولها حيوان آخر. ثم هو يحمل الإنسان ويحمل متاعه. وهو طعام الإنسان إن مضه الجوع، أو جاءه ضيف كبير. وهو يشرب حليب النوق ويجد فيه شفاءً وعافية وتعويضًا عن الماء والطعام. فلا عجب إذن إن اتخذ الأعرابي الجمل مقياسًا للثروة والمال.